صفحة رقم ١٦٩
ينتفعون به، قال أبو حيان : سلط الله عليهم الجرذ فأراً أعمى توالد فيه، ويسمى الخلد، فخرفه شيئاً بعد شيء، فأرسل الله سيلاً في ذلك الوادي، فحمل ذلك السد فروي أنه كان من العظم وكثرة الماء بحيث ملأ ما بين الجبلين، وحمل الجنان وكثيراً من الناس ممن لم يمكنه الفرار.
ولما غرق من غرق منهم ونجا من نجا، تفرقوا وتمزقوا حتى ضربت العرب المثل بهم فقالوا : تفرقوا أيدي سبأ وأيادي سبا، والأوس والخزرج منهم، وكان ذلك في الفترة التي بين عيسى ونبينا محمد ( ﷺ ) ) وبدلناهم بجنتيهم ) أي جعلنا لهم بدلهما ) جنتين ( هما في غاية ما يكون من مضادة جنتيهم، ولذلك فسرهما بقوله إعلاماً بإن إطلاق الجنتين عليهما مشاكلة لفظية للتهكم بهم :( ذواتي أكل ) أي ثمر ) خمط ( وقراءة الجماعة بتنوين ) أكل ( أقعد في التهكم من قراءة أبي عمرو ويعقوب بالإضافة.
ولما كان الخمط مشتركاً بين البهائم والإنسان في الأكل والتجنب، والله أعلم بما أراد منه، لأنه ضرب من الإراك، له ثمر يؤكل، وكل شجرة مرة ذات شوك، والحامض أو المر من كل شيء، وكل نيت أخذ طعماً من مرارة حتى لا يؤكل، ولا يمكن أكله، وثمر يقال له فسوة الضبع على صورة الخشخشاش ينفرك ولا ينتفع به، والحمل القليل من كل شجر، ذكر ما يخص البهائم التي بها قوام الإنسان فقال :( وأثل ) أي وذواتي أثل، وهو شجر لا ثمر له، نوع من الطرفاء، ثم ذكر ما يخص الإنسان فقال :( وشيء من سدر ) أي نبق ) قليل ( وهذا يدل على أن غير السدر وهو ما لا منفعة فيه أو منفعته مشوبة بكدر أكثر من السدر ؛ وقال أبو حيان : إن الفراء فسر هذا السدر بالسمر، قال : وقال الأزهري : السدر سدران : سدر لا ينتفع به ولا يصلح ورقه للغسول، وله ثمرة عفصة لا تؤكل، وهذا الذي يسمى الضال وسدر ينبت على الماء وثمرة النبق وورقة الغسول يشبه العناب.
وقد سبق الوعد في البقرة ببيان مطلب ما يفيده دخول الجار مع مادة ( بدل ) فإن الحال يفترق فيها بين الإبدال التبديل والاستبدال والتبدل وغير ذلك، وهي كثرة الدور مشتبهة الأمر، وقد حققها شيخنا محقق زمانه قاضي الشافعية بالديار المصرية شمس الدين محمد بن علي القاياني رحمه الله فقال فيما علقته عند وذكر أكثره في شرحه لخطبة المنهاج للنووي رحمه الله : اعلم أن هذه المادة - أعني الباء والدال واللام - مع هذا الترتيب قد يذكر معها فقد يذكران مع التبدل والاستبدال مصحوباً أحدهما بالباء كما في قوله تعالى :
٧٧ ( ) أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير ( ) ٧
[ البقرة : ٦١ ] وفي قوله تعالى :
٧٧ ( ) ومن يتبدل الكفر بالإيمان ( ) ٧
[ البقرة : ١٠٨ ] الاية،


الصفحة التالية
Icon