صفحة رقم ١٧٥
( إلا ) موضع ( لكن ) إشارة إلى أنه مكنه تمكيناً تاماً صار به كمن له سلطان حقيقي.
ولما كان هذا ربما أوقع في وهم نقصاً في العلم أو في القدرة، قال مشيراً إلى أنه سبحانه يسره ( ﷺ ) بتكثير هذا الفريق المخلص وجعل أكثره من أمته فقال :( وربك ) أي المحسن إليك بإخزاء الشيطان بنوتك وإخسائه عن أمتك ) على كل شيء ( من المكلفين وغيرهم ) حفيظ ) أي حافظ أتم حفظ محيط به مدبر له على وجه العلو بعمله الكامل وقدرته الشاملة، فلا يفعل الشيطان ولا غيره شيئاً إلا بعلمه وإذنه.
ولما أثبت سبحانه لنفسه ولذاته الأقدس من الملك في السماوات والأرض وغيرهما ما رأيت، واستدل عليه من الأدلة التي لا يمكن التوصيب إليها بطعن بما سمعت، وكان المقصود الأعظم التوحيد فإنه أصل ينبني عليه كل خير قال :( قل ) أي با أعلم الخلق بإقامة الإدلة لهؤلاء الذين شاركوا ما لا يشك في حقارته من له أدنى مسكة :( ادعوا الذين زعمتم ) أي أنهم آلهة كما تدعون الله لا سيما في وقت الشدائد، وحذف مفعولي ( زعم ) وهما ضميرهم وتألههم تنبيهاً على استهجان ذلك واستبشاعه، وليس المذكور في الآية مفعولاً ولا قائماً مقام المفعول لفساد المعنى ؛ وبين حقارتهم بقوله :( من دون الله ) أي الذي حاز جميع العظمة لشيء مما أثبته سبحانه لنفسه فليفعلوا شيئاً مثله أو يبطلو شيئاً مما فعله سبحانه.
ولما كان جوابهم في ذلك السكوت عجزاً وحيرة، تواى سبحانه الجواب عنهم، إشارة إلى أن جواب كل من له تأمل لا وقفة فيه بقوله، معبراً عنهم بعبارة من له علم بإقامتهم في ذلك المقام، أو لأن بعض من ادعيت إلآهيته ممن له علم :( لا يمكلون ) أي الآن ولا يتجدد لهم شيء من ذلك أصلاً.
ولما كان المراد المبالغة في الحقارة بما تعرف العرب قال :( مثقال ذرة ( ولما أريد العموم عبر بقوله :( في السموات ( وأكد فقال :( ولا في الأرض ( لأن السماء ما علا، والأرض ما سفل، والسماوات في العرش، والأرض في السماء، فاستغرق ذلك النفي عنهما وعن كل ما فيهما من ذات ومعنى إلى العرش، وهو ذو العرش العظيم.
ولما كان هذا ظاهراً في نفي الملك الخالص عن شوب المشاركة، نفى المشاركة أيضاً بقوله مؤكداً تكذيباً لهم فيما يدعونه :( وما لهم فيهما ) أي السماوات والأرض ولا فيما فيهما، وأعرق في النفي فقال :( من شرك ) أي في خلق ولا مُلك ولا مِلك، وقد انتفى ملكهم لشيء من أنفسهم أو ما أسكن فيها سبحانه من قوة أو منفعة، فانتفى أن يقدروا على إعانة غيرهم، وكان للتصريح مزيد روعة للنفوس وهزة للقلوب وقطع


الصفحة التالية
Icon