صفحة رقم ١٨٠
بقوله :( أروني الذين ( ولما لزم مما ثبت له سبحانه من صفات الكمال العلو الذي لا يداينه أحد بوجه قال :( ألحقتم به ( ولما كان الإلتحاق يقتضي ولا بد قصور الملحق عن المحلق به، أشار إلى فرط جهلهم بتسويتهم به بقوله :( شركاء ( ثم نبه بعد إبطال قياسهم على أنهم في غاية الجلافة والجمود فهم كالأنعام بما قرعهم به من الرجز في قوله مؤكداً تكذيباً لهم في دعوى الشرك :( كلا ) أي ارتدعوا وانزجروا فليس والله الأمر كما ذكرتم ولا قريب منه ) بل هو ) أي المعبود بالحق الذي لا يستحق أن يسمى هو غيره ) الله ) أي الذي اختص بالحمد في الأولى والآخرة ) العزيز ) أي الذي لا مثل له، وكل شيء محتاج إليه، وهو غالب على كل شيء غلبة لا يجد معها ذلك الشيء وجه مدافعة ولا انقلاب، ولا وصول لشيء إليه إلا بإذنه ) الحكيم ) أي المحكم لكل ما يفعله فلا يستطيع أحد نقض شيء منه فكيف يكون له شريك وأنتم ترون له من هاتين الصفتين المنافيتين لذلك وتعلمون عجز من أشركتموه به عن أن يساويكم مع ما تعلمون من عجزكم.
ولما ختم بوصف الحكمة فتم برهان القدرة التي كان أوجب اعتقادهم لعدم البعث ما يقتضي نقضاً فيها، ولزم عن ذلك التوحيد وبطل الشرك، لم يبق إلا إثبات الرسالة التي أوجب ترديدهم أخباره ( ﷺ ) بين الكذب والجنون الطعن فيها، فعلم أن التقدير : أرسل إليكم رسوله بعزته مؤيداً له بإعجاز هذا القرآن بحكمته دليلاً على صدقه وكماله في جبلته وتأهله لبدائع نعمته ومعالي رحمته، وكان في ذلك دليل الصدق في الرسالة ؛ فنسق به قوله معلياً لشأنه بالخطاب في مظهر العظمة، إشارة إلى أنه ينبغي أن يتدرع جلابيب الصبر على جميع المكارة الصادرة من أنواع الخلق في أداء الرسالة بقوله عاطفاً على ) ولقد آتينا داود فضلاً ( مؤكداً تكذيباً لمن يدعي الخصوص :( وما أرسلناك ) أي بعظمتنا ) إلا كآفة ) أي إرسالاً عاماً شاملاً لكل ما شمله إيجادنا، تكفهم عما لعلهم أن ينتشروا إليه من متابعة الأهوية، وتمنعهم عن أن يخرج عنها منهم أحد، فالتاء في ( كافة ) للمبالغة، وعبارة ابن الجوزي : أي عامة لجميع الخلائق ) للناس ) أي كل من فيه قابلية لأن ينوس من الجن والإنس وغيرهم من جميع ما سوى الله وإن آذوك بكل أذى من النسبة إلى الافتراء أو الجنون أو غيرهما، فحال الإرسال محصور في العموم للغرض الذي ذكر من التدرع لحمل المشاق، لا في الناس، فأنه لو أريد ذلك لقدموا فقيل : إلا الناس كافة، وقد مضى فب أوائل الأنعام عن السبكي ما ينفع هنا، والمعنى أن داود عليه السلام فضل بطاعة الجبال له والطير والحديد، وسليمان عليه السلام بما ذكر له، ففضيلتك أنت بالإرسال إلى كل من يمكن نوسه، فالحصا سبحت في كفك،


الصفحة التالية
Icon