صفحة رقم ١٨٣
أي الذي أحسن إليهم فطال إحسانه فكفروا كلما أحسن به إليهم ) يرجع بعضهم ) أي على وجه الخصام عداوة.
كان سببها مواددتهم في الدنيا بطاعة بعضهم لبعض في معاصي الله، قال القشيري : ومن عمل بالمعاصي أخرج الله عليه كل من هو أطوع له، ولكنهم لا يعلمون ذلك، ولو علموا لاعتبروا، ولو اعتبروا لتابوا وتوافقوا، ولكن ليقضي الله أمراً كان مفعولاً ) إلى بعض القول ) أي بالملائكة والمباكتة والمخاصمة، لرأيت امراً فظيعاً منكراً هائلاً شنيعاً مقلقاً وجميعاً يسرك منظره، ويعجبك منهم أثره ومخبره، من ذلهم وتحاورهم وتخاذلهم حي لا ينفعهم شيء من ذلك.
ولما كان هذا مجملاً، فسره بقوله على سبيل الاستئناف :( يقول الذين استضعفوا ) أي وقع استضعافهم ممن هو فوقهم في الدنيا وهم الأتباع في تلك الحالة على سبيل اللوم والتأنيب ) للذين استكبروا ) أي أوجدوا الكبر وطلبوه بما وجدوا من أسبابه التي أدت إلى استضعافهم للأولين وهم الرؤوس المتبوعون :( لولا أنتم ) أي مما وجد من استتباعكم لنا على الكفر وغيره من أموركم ) لكنا مؤمنين ) أي عريقين في الإيمان لأنه لم يكن عندنا كبر من أنفسنا يحملنا على العناد للرسل.
ولما لم يتضمن كلامهم سوى قضية واحدة، ذكر الجواب بقوله تعالى :( قال الذين استكبروا ( على طريق الاستئناف ) للذين استضعفوا ( رداً عليهم وإنكاراً لقولهم أنهم هم الذين صدوهم :( أنحن ( خاصة ) صددناكم ) أي منعناكم وصرفناكم ) عن الهدى ( ولما كانوا لا يؤاخذون بإهمال دليل العقل قبل إيتان الرسل، أشاروا إلى ذلك بقولهم :( بعد إذ جاءكم ) أي على ألسنة الرسل.
ولما كان المعنى : إنا لم نفعل ذلك، حسن أن يقال : إنهم هم الذين ضلوا بأنفسهم لا بإضلالهم، فقالوا :( بل كنتم ) أي جبلة وخلقاً ) مجرمين ) أي عريقين في قطع ما ينبغي وصله بعد إيتان الهدى مختارين لذلك كما كنتم قبله أتباعاً لنا ما ردتم ولا ردنا، ولما تضمن قولهم أمرين : ادعاء عراقتهم في الإجرام، وإنكار كونهم سبباً فيه، أشار إلى ردهم للثاني بالعاطف على غير معطوف عليه إعلاماً بأن التقدير : قال الذين استضعفوا : كذبتم فيما ادعيتم من عراقتنا في الإجرام :( وقال الذين استضعفوا ( عطفاً على هذا المقدر ) للذين استكبروا ( ردّاً لإنكارهم صدهم :( بل ( الصاد لنا ) مكرُ الليل والنهار ) أي الواقع فيهما من مكركم بنا، أو استعير إسناد المكر إليهما لطول السلامة فيهما، وذلك للاتساع في الظرف في إجرائه مجرى المفعول به ) إذ تأمروننا ( على الاستمرار ) أن نكفر بالله ) أي الملك الأعظم بالاستمرار على ما كنا عليه قبل إيتان الرسل ) ونجعل له أنداداً ) أي أمثالاً نعبدهم من دونه ) وأسروا ) أي يرجعون والحال