صفحة رقم ١٨٥
المنعمون ذلك تبعهم المستضعفون فإذا وقفوا عندنا تقالوا بما تقدم ثم لم ينفعهم ذلك ) وقالوا ( مفاخرين ودالين على أنهم فائزون كما قال لك هؤلاء كأنهم تواصلوا به : ولما كانت الأموال في الأغلب سبباً لكثرة الأولاد بالاستكثار من النساء الحرائر والإماء، قدمها فقال :( أموالاً وأولاداً ) أي في هذه الدنيا، ولو لم يرض منا ما نحن عليه ما رزقنا ذلك ) وما نحن ) أي الآن ) بمعذبين ) أي بثابت عذابنا، وإنما تعرض لنا أحوال خفيفة من مرض وشدائد هي أخف من أحوالكم، وحالياً الآن دليل على حالنا فيما يستقبل من الزمان كائناً ما كان، فإن الحال نموذج المآل، والأول دليل الآخر، فإن كان ثّم آخرة كما تقولون فنحن أسعد منكم فيها كما نحن أسعد منكم الآن، ولم تنفعهم قصة سبأ في ذلك فإنهم لو تأملوا لكفتهم، وأنارت أبصار بصائرهم، وصححت أمراض قلوبهم وشفتهم، فإنهم كانوا أحسن الناس حالاً، فصاروا أقبحهم مآلاً.
ولما كانت لشبهتهم هذه شعبتان تتعلق إحداهما بالذات والأخرى بالثمرات، بدأ بالأولى لأنها أهم، فقال مؤكداً تكذيباً لمن يظن أن سعيه يفيد في الرزق شيئاً لولا السعي ما كان :( قل ( يا أكرم الخلق على الله مؤكداً لأجل إنكارهم لأن يوسع في الدنيا على من لا يرضى فعله :( إن ربي ) أي المحسن إليّ بالإنعام بالسعادة الباقية ) يبسط الرزق ) أي يجدده في كل وقت أراده بالأموال والأولاد وغيرها ) لمن يشاء ويقدر ) أي يضيق على من يشاء منكم أن يكون جميع الموسع عليهم على ما هو حق عنده ومرضى له، لاختلافهم في الأصول وتكفير بعضهم لبعض، فإن الله معذب بعضهم لا محالة، فبطلت شبهتهم، وثبت أنه يفعل ما يشاء ابتلاء وامتحاناً، فلا يدل البسط على الرضى ولا القبض على السخط - على ما عرف من سنته في هذه الدار ) ولكن أكثر الناس ) أي الذين لم يرتفعوا عن حد النوس والاضطراب ) لا يعلمون ) أي ليس لهم علم ليتدبروا به ما ذكرنا من الأمر فيعلموا أنه ليس كل موسع عليه في دنياه سعيداً في عقباه.
ولما هدم بالذات، أتبعه ما بالثمرات، فقال مؤكداً تكذيباً لدعواهم :( وما أموالكم ) أي أيها الخلق الذين أنتم من جملتهم وإن كثرت، وكرر النافي تصريحاً بإبطال كل على حياله فقال :( ولا أولادكم ( كذلك، وأثبت الجار تاكيداً للنفي فقال واصفاً الجمع المكسر بما هو حقه من التأنيث :( بالتي ) أي بالأموال والأولاد التي ) تقربكم عندنا ) أي على ما لنا من العظمة بتصرفاتكم فيها بما يكسب المعالي ) زلفى (