صفحة رقم ١٨٨
العداد ممن يقيمهم هو سبحانه لكم فتضيفون الرزق إليهم، فإنهم وسائط لا يقدرون إلا على ما قدرهم، وأما هو سبحانه فهو يوجد المعدوم، ويرزق من يطيعه ومن يعصيه، ولا يضيق ترزيقه بأحد، ولا يشغله فيه أحد عن أحد، بل يبعث في كل يوم لكل أحد رزقه في آن واحد كما ينشر عليهم نوره بالشمس في آن واحد من غير توقيف لذلك على شيء من الأشياء غير سبق به العلم في الأزل.
ولما أبطل شبهتهم فعلم بذلك أن الأمر كله له، وأنهم في محل الخطر، وكان قد بقي من شبههم أنهم يقولون : نحن نعبد الملائكة فهم يشفعون لنا، وكان الأنبياء عليهم السلام لا ينكرون أن الملائكة مقربون أبطل ما يتعلقون به منهم، وبين أنه لا أمر لهم وأنهم بريئون منهم، فقال عاطفاً على ) إذ الظالمون ( :( ويوم نحشرهم ) أي نجمعهم جمعاً بكره بعد البعث، وعم التابع والمتبرع بقوله :( جميعاً (.
ولما كانت مواقف الحشر طويلة وزلازله مهولة قال :( ثم نقول للملائكة ) أي توبيخاً للمشركين وإقناطاً مما يرجون منهم من الشفاعة.
ولما كانت العبادة لا تنفع إلا إذا كان المعبود راضياً بها وكانت خالصة، قال مبكتاً للمشركين وموبخاً ليكون هناك سؤال وجواب فيكون التقريع أشد والخجل بعد أعظم، والخوف والهوان أتم وألزم ويكون اقتصاص ذلك عظة للسامعين، وزجراً للجاهلين، وتنبيهاً للغافلين، على طريق
٧٧ ( ) أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلآهين من دون الله ( ) ٧
[ المائدة : ١١٦ ] الآيات :( أهؤلاء ) أي الضالون ؛ وأشار إلى أنه لا ينفع من العبادة إلا ما كان خالصاً فقال :( إياكم ) أي خاصة ) كانوا يعبدون ( بأفعالهم الاختيارية والقسرية ليعلم أنهم عبيد لكم تستحقون عبادتهم، وفي التعبير بما يدل على الاختصاص تنبيه لقريش على أنه لا يعتد من العبادة إلا بالخالص ) قالوا ) أي الملائكة متبرئين منهم مفتتحين بالتنزيه تخضعاً بين يدي البراءة خوفاً من حلول السطوة ) سبحانك ) أي ننزهك تنزيهاً يليق بجلالك عن أن يستحق أحد غيرك أن يعبد.
ولما كانوا كارهين جداً لعبادتهم، وكانت فائدة العبادة الوصلة بين العابد والمعبود قالوا :( أنت ولينا ) أي معبودنا الذي لا وصلة بيننا وبين أحد إلا بأمره ) من دونهم ) أي من أقرب منزلة لك من منازلهم منا، فأنت أقرب شيء إلينا في كل معاني الولاية من العلم والقدرة وغيرهما، فكيف نترك الأقرب والأقوى ونتولى الأبعد العاجز، ليس بيننا وبينهم من ولاية، بل عداوة، وكذا كل من تقرب إلى شخص بمعصية الله يقسي الله قلبه عليه ويبغضه فيه فيجافيه ويعاديه.
ولما كان من يعمل لأحد عملاً لم يأمر به ولم يرضه إنما عمل في الحقيقة للذي