صفحة رقم ١٩١
بالعجز - بشر كثير برهة حتى هدى الله بعضهم، وتمادى بالآخرين الأمر حتى ماتوا على ضلالهم، مع أنه كان ينبغي لكل من رأى مباردتهم وتحرقهم أن يعرف أنهم متغرضون، لم يحملهم على ذلك إلا الحظوظ النفسانية، والعلق الشهوانية، قال الطفيل ابن عمرو الدوسي ذو النور رضي الله عنه : لقد اكثروا عليّ في أمره حتى حشوت في أذنيّ الكرسف خوفاً من أن يخلص إلى شيء من كلامه فينتفي، ثم أراد الله بي الخير فقلت : واثكل أمي إني والله لبيب عاقل شاعر، ولي معرفة بتمييز غث الكلام من سمينه، فما لي لا أسمع منه، فإن كان حقاً تبعته، وإن كان باطلاً كنت منه على بصيرة - أو كما قال، قال : فقصدت النبي ( ﷺ ) فقلت : اعرض عليّ ما جئت به، فما توقفت في أن أسلمت، ثم سأل النبي ( ﷺ ) أن يدعو الله له أن يطيعه آية تعينه على قومه، فلما أشرف على حاضر قومه كان له نور في جبهته، فخشي أن يظنوا أنها مثلة، فدعا بتحويله، فتحول في طرف سوطه، فأعانه الله على قومه فأسلموا.
ولما بارزوا بهذا القول من غير أثارة من علم ولا خبر من سمع، بين ذلك معجباً من شأنهم، موضحاً لعنادهم، بقوله مؤكداً إشارة إلى أن ما يجترئون عليه من الأقوال التي لا سند لها إلا التقليد لا يكون إلا من كتاب أو رسول :( وما ) أي قالوا ذلك والحال أنا ما ) آتيناهم ) أي هؤلاء العرب أصلاً لأنه لم ينزل عليهم قط قبل القرآن كتاب، وعبر بمظهر العظمة إشارة إلى أن هذا مقام خطر وموطن وعر جداً لأنه أصل الدين، فلا يقنع فيه إلا بأمر عظيم، وأكد هذا المعنى بقوله :( من كتب ( بصيغة الجمع مع تأكيد النفي بالجار قبل كتابك الجامع ) يدرسونها ) أي يجددون دراستها في كل حين، فهي متظاهرة الدلالة باجتماعها على معنى واحد متواترة عندهم لا شبهة في أمرها ليكون ذلك سبباً للطعن في القرآن إذا خالف تلك الكتب ) وما أرسلنا ) أي إرسالاً لا شبهة فيه لمناسبته لما لنا من العظمة ) إليهم ) أي خاصة، بمعنى أن ذلك الرسول مأمور بهم باعيانهم، فهم مقصودون بالذات، لا أنهم داخلون في عموم، أو مصقودون من باب الأمر بالمعروف في جميع الزمان الذي ) قبلك ) أي من قبل رسالتك الجامعة لكل رسالة ليخرج إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام فإنهما كانا في بعض الزمان الماضي، أو أن المراد في الفترة بعد عيسى عليه السلام كما تقدم في السجدة نقله عن ابن عباس ومقاتل، ويجوز أن يراد بعد إسماعيل عليه السلام لأن عيسى عليه السلام - وإن أرسل إلى العرب رسله - لم يكن مرسلاً إلا إلى قومه، وإرساله إلى غيرهم إنما هو من باب الأمر بالمعروف، وشعيب عليه السلام إنما كانت رسالته إلى طائفة أو أثنتين منهم وقد


الصفحة التالية
Icon