صفحة رقم ١٩٤
العدو يصحبكم أو يمسيكم أما كنتم تصدقوني ؟ قالوا : بلى، فقال : إني نذير لكم بين يدب عذاب شديد، فقال أبو لهب : تباً لك، ألهذا جمعتنا ؟ فأنزل الله عز وجل ) تبت يدا أبي لهب وتب (.
ولما انتفى عنه بهذا ما خيلوا به، بقي إمكان أن يكون لغرض أمر دنيوي فنفاه بأمره بقوله :( قل ) أي للكفرة :( ما ) أي مهما ) سألتكم من أجر ) أي على دعائي لكم ) فهو لكم ( لا أريد منه شيئاً، وهو كناية عن أني لا أسألكم على دعائي لكم إلى الله أجراً أصلاً بوجه من الوجوه، فإذا ثبت أن الدعاء ليس لغرض دنيوي، وأن الداعي أرجح الناس عقلاً، ثبت أن الذي حمله على تعريض نفسه لتلك الأخطار العظيمة إنما هو أمر الله الذي له الأمر كله.
ولما كانوا يظنون به في بعض ظنونهم أنه يريد أمراً دنيوياً، أكد قوله :( إن ) أي ما ) أجري إلا على الله ) أي الذي لا أعظم منه، فلا ينبغي لذي همة أن يبتغي شيئاً إلا من عنده ) وهو ) أي والحال أنه ) على كل شيء شهيد ) أي بالغ العلم بأحواله، فهو جدير بأن يهلك الظالم ويعلي كعب المطيع.
ولما لم يبق شيء يخدش في أمر المبلغ، أتبعه تصحيح النقل جواباً لمن كأنه يقول : برئت ساحتك، فمن لنا بصحة مضامين ما تخبر ؟ فقال مؤكداً لإنكارهم أن يكون ما يأتي به حق معيداً الأمر بالقول، إشارة إلى أن كل كلام صدر دليل كاف مستقل بالدلالة على ما سبق له :( قل ( لمن أنكر التوحيد والرسالة والحشر معبراً بما يقتضي العناية الموجبة لنصره على كل معاند، ) إن ربي ) أي المحسن إلي بأنواع الإحسان، المبيض لوجهي عند الامتحان ) يقذف بالحق ) أي يرمي به في إثبات جميع ذلك وغيره مما يريد رمياً وحياً جداً لأنه غني عن تدبر أو تروِّ أو تفكر في تصحيح المعنى أو إصلاح اللوازم لأنه علام الغيوب، فيفضح من يريد إطفاء نوره فضيحة شديدة، ويرهق باطله كما فعل فيما وسمتموني به وفي التوحيد وغيره لا كما فعلتم أنتم في مبادرتكم إلى نصر الشرك وإلى ما وصفتموني به ووصفهم ما جئت به، فلزمكم على ذلك أمور شنيعة منها الكذب الصريح، ولم تقدروا أن تأتوا في أمري ولا في شيء من ذلك بشيء يقبله ذو عقل أصلاً.
ولما وصفه بنهاية العلم، أتبعه بعض آثاره فقال :( قل جاء الحق ) أي الأمر الثابت الذي لا يقدر شيء أن يزيله ؛ وأكد تكذيباً لهم في ظنهم أنهم يغلبون فقال :