صفحة رقم ١٩٧
الباقون بالواو مثل التناول لفظاً ومعنى، فقراءة الواو المحضة تشير إلى أنهم يريدون تناولاً سهلاً مع بعد المتناول في المكان، وقراءة الهمز إلى أن إراتهم تأخرت وأيطأت حتى فات وقتها، فجمعت إلى بعد المكان بعد الزمان.
ولما كان البعيد لا يمكن الإنسان تناوله مع بعده قال :( من مكان بعدي ( فإنه بعد كشف الغطاء عند مجيء البأس لا ينفع الإيمان ) وقد ) أي كيف لهم ذلك والحال أنهم قد ) كفروا به ) أي بالذي طلب منهم أن يؤمنوا به أملاً وجزاءً ) من قبل ) أي في دار العمل ) و ( الحال أنهم حين كفرهم ) يقذفون ( في أمر ما دعوا إليه بما يرمون به من الكلام رمياً سريعاً جداً من غير تمهل ولا تدبر ) بالغيب ) أي من مرجمات الظنون، وهي الشبه التي تقدم إبطالها في هذه السورة وغيرها من استبعادهم البعث وغيره مما أخبر الله به.
ولما كان الشيء لا يمكن أن يصيب ما يقذفه وهو غائب عنه ولا سيما مع البعد قال معلماً ببعدهم عن علم ما يقولون مع بعده جداً من حال من تكلموا فيه سواء كان القرآن أو النبي ( ﷺ ) أو الحشر والجنة والنار :( من مكان بعيد ( وذلك على الضد من قذف علام الغيوب فإنه من مكان قريب فهو معلوم لازم للحق.
سبأ :( ٥٠ - ٥٤ ) قل إن ضللت.....
) وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُواْ فِي شَكٍّ مُّرِيبِ ( ( )
لما أشار إلى بعد الإيمان منهم عن إرادتهم تناوله عند فوات أمرلاه وعلوه عنهم عند طعنهم فيه في دار العمل، ترجم حالتيهم يفي ذلك على وجه يعم ثمرات الإيمان من دخول الجنان ورضى الرحمن بقوله :( وحيل ( معبرا بصيغة المجهول مشيرا إلى أن حصول الحيلولة بأسهل ما يكون ولأن المنكي لهم نفس الحيلولة لا كونها من شخص معين :( بينهم وبين ما يشتهون ) أي يميلون إليه ميلا عظيما من تلأثير طعنهم وقبول إيمانهم عند رؤية، البأس ومن حصول شيء من ثمراته لهم من حسن الثواب كما يرى الإنسان منهم - وهو في غمرات النار - مقعده في الجنة، الذي كان يكون له لو آمن ولا يقدر على الوصول إليه بوجه، وإن خيل إليه الوصول فقصده فمنع منه كان أنكى ) كما فعل ( بأيسر وجه ) بأشياعهم ) أي الذين كفروا مثلهم ) من قبل ) أي قبل زمانهم فإن حالهم كان كحالهم في الكفران والإيمان، والسعادة والخسران، ولم يختل أمرتا في أمة من الأمم، بل كان كلما كذبت أمة رسولها أخذناها، فإذا أذقناهم بأسنا أذعنوا وخضعوا، فلم تقبل منهم ذلك، ولا نفعهم شيئا لا بالكف عن إهلاكهم ولا بإدراكهم


الصفحة التالية
Icon