صفحة رقم ٢٠٣
فقال منبهاً لمن غفل، وموبخاً لمن جدد، وراداً على أهل القدر الذين ادعوا أنهم يخلقون أفعالهم، ومنبهاً على نعمة الإيجاد الأول :( هل ( واما كان الاستفهام بمعنى النفي أكده ب ) من ( فقال :( من خالق ) أي للنعم وغيرها، ولما كانت ) من ( للتأكيد، فكان ) خالق ( في موضع رفع، قرأ الجمهور قوله :( غير الله ( بالرفع، وجره حمزة والكسائي على اللفظ، وعبر بالجلالة إشارة إلى أنه المختص بصفات الكمال. ظ ولما كان الجواب قطعاً، لا، بل هو الخالق وحده، قال منبهاً على نعمة الإبقاء الأول :( يرزقكم ) أي وحده.
ولما كانت كثرة الرزق كما هو مشاهد مع وحدة المنبع أدل على العظمة قال :( من السماء والأرض ( بالمطر والنبات وغيرهما.
ولما بين أنه سبحانه الأله وحده فقال :( لا إله إلا هو ( فتسبب الإنكار على من عبد غيره ظاهراً أو باطناً فقال :( فأنى ) أي فمن وجه وكيف ) تؤفكون ) أي تصرفون وتقبلون عن وجه السداد في التوحيد بهذه الوجوه الظاهرة إلى الشرك الذي لا وجه له.
فاطر :( ٤ - ٦ ) وإن يكذبوك فقد.....
) وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ يأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلاَ يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُواْ مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ( ( )
ولما قررهم على ما تقدم وختم بالتوحيد الذي هو الأصل الأول من أصول الدين، نبه على أنه المقصود بالذات بذكر ما يعقبه في الأصل الثاني، وهو الرسالة من تصديق وتكذيب، فقال ناعياً على قريش سوء تلقيهم لآياته، وطعنهم في بيناته، مسلياً له ( ﷺ )، عاطفاً على ما تقديره : فإن يصدقوك فهم جديرون بالتصديق لما قام على ذلك من الدلائل، وشهد به من المقاصد والوسائل :( غن يكذبوك ) أي عناداً وقلة اكتراث بالعواقب فتأسّ بإخوانك ) فقد ) أي بسبب أنه قد ) كذبت رسل ) أي يا لهم من رسل وبني الفعل للمجهول لأن التسلية محطها، وقوع التكذيب لا تعيين المكذب، ونفى أن يرسل غيره بعد وجوده بقوله :( من قبلك ( وأفرد التكذيب بالذكر اهتاماً بالتسلية تنبيهاً على أن الأكثر يكذب، قال القشيري : وفي هذا إشارة للحكماء وأرباب القلوب مع العوام والأجانب من هذه الطريقة فإنهم لا يقبلون منهم إلا قليل، وأهل الحقائق أبداً منهم في مقاساة الأذية، والعوام أقرب إلى هذه الطريقة من الفتراء المتقشفين.
ولما كان التقدير نفياً للتعجب من التكذيب الجاري على غير قياس صحيح : فمن الله الذي لا أمر لأحد معه تصدر الأمور، عطف عليه قوله مهدداً لمن خالف أمره :