صفحة رقم ٢٠٦
المشبه به وهو كمن أبصر الأمور على حقائقها فاتبع الحسن واجتنب السيئ، لأن المقام يهدي إليه، وتعجيلاً بكشف ما أشكل على السامع من السبب الحامل على رؤية القبيح، مُليحاً بقوله مؤكداً رداً على من ينسب إلى غير الله فعلاً من خير أو شر :( فإن ) أي السبب في رؤية الأشياء على غير ما هو به، فيقدم على الهلاك البين وهو يراه عين النجاة ) ويهدي من يشاء ( فلا يشكل عليه أمر ولا يفعل إلإ حسناً.
ولما كان المحب من يرضى بفعل حبيبه، سبب عن ذلك النهي لأكمل خلقه عن الغم بسبب ضلالهم في قوله :( فلا ( والأحسن أن يقدر المشبه به هنا فيكون المعنى : أفمن غير فعل القبيح فاعتقده حسناً لأن الله أضله بسبب أن الله هو المتصرف في القلوب كمن بصره الله بالحقائق ؟ ولما كان الجواب : لا، ليس هما سواء سبب عنه قولاً : فلا ) تذهب ) أي بالموت أو ما يقرب منه ) نفسك عليهم ) أي بسبب ما هو فيه من العمى عن الجليات ) حسرات ) أي لأجل حسراتك المترادفة لأجل إعراضهم، جمع حسرة وهي شدة الحون على ما ما فات من الأمر.
ولما كان كأنه قيل : إنهم يؤذون اولياءك فيشتد أذاهم، وكان علم الولي القادر بما يعمل عدوه كافياً في النصرة، قال :( إن الله ) أي المحيط بجميع أوصاف الكمال ) عليم ) أي بالغ العلم، وأكده تنبيهاً على أن المقام صعب، ومن لم يثبت نفسه بغاية جهده زل لطول إملائه تعالى لهم وحلمه عنهم ) بما يصنعون ) أي مما مرنوا عليه وانطبعوا فيه من ذلك حتى صار لهم خلقاً يبعد كل البعد انفكاكهم عنه.
ولما أخبر تعالى أنه لا بد من إيجاد ما وعد به من البعث وغيره، وحذر كل التحذير من التهاون بأمره، وأنكر التسوية بين المصدق به والمكذب، وكان السبب في الضلال المميت للقلوب الهوى الذي يغشى سماء العقل ويعلوه بسحابه المظلم فيحول بينه وبين النفوذ، وكان السبب في السحاب المغطي لسماء الأرض المحيي لميت الحبوب الهوى، وكان الإيتان به في وقت دون آخر دالاً على القدرة بالاختيار، قال عاطفاً على جملة ) إن وعد الله حق ( المبني على النظر، وهو الإخراج من العدم مبيناً لقدرته على ما وعد به :( والله ) أي الذي له صفات الكمال لا شيء غيره من طبيعة ولا غيرها ) الذي ( ولما كان المراد الإيجاد من العدم، عبر بالماضي مسنداً إليه لأنه الفاعل الحقيقي فقال :( أرسل الرياح ) أي أوجدها من العدم مضطربة فيها، أهلية الاضطراب والسير ليصرفها كيف يشاء لا ثابتة كالأرض، وأسكنها ما بين الخافقين لصلاح مكان الأرض.


الصفحة التالية
Icon