صفحة رقم ٢٣٣
) أروني ماذا ) أي الذي أو أي شيء ) خلقوا من الأرض ) أي لتصح لكم دعوى الشركة فيهم، وإلا فادعاؤكم ذلك فيهم كذب محض وأنتم تدعون أنكم أبعد الناس منه في الأمور الهينة فكيف بمثل هذا، ولعل استفهامهم عن رؤية شركائهم تنبيه على أنهم من الامتهان والحقارة بحيث يراهم كل من يقصد رؤيتهم ويعلم أنه لا خلق لهم، والله تعالى، بخلاف ذلك في كل من الأمرين، مترد برداء الكبر محتجب بحجاب الجلال والعز، وكل أحد يعلم أنه خالق لكل مخلوق، فكيف يكون من لا يخلق كمن يخلق.
ولما نبههم بهذا الأمر الذي ساقه المعلم بأنه لا ينبغي لعاقل أن يدعي شركة لشيء حتى يعلم الشركة وإن جهل عين المشارك فيه، قال مؤكداً لذلك موسعاً لهم في المجال، زيادة في تبكيتهم على ما هم فيه من الضلال :( أم لهم شرك ) أي وإن كان قليلاً ) في السموات ) أي أروني ما خلقوا في السماوات، فالآية من الاحتباك : حذف أولاً الاستفهام عن الشركة في الأرض لدلالة مثله في السماء ثانياً عليه، وحذف الأمر بالإراءة ثانياً مثله أولاً عليه.
ولما أتم التبكيت بالاستفهام عن المرئي، أتبعه التوبيخ بالاستفهام عن المسموع، مؤذناً بالالتفات إلى التكلم بمظهر العظمة بشديد الغضب فقال :( أم آتيناهم ) أي الشركاء أو المشركين بهم لما لنا من العظمة ) كتاباً ) أي دالاً على انه من عندنا بإعجازه أو غير ذلك من البراهين القاطعة تثبت لهم شركة ) فهم ) أي المشركون ) علىبينة ) أي حجة ظاهرة، وبينات - على القراءة الأخرى، أي دلائل واضحات بما في ذلك الكتاب من ضروب البيان ) منه ) أي ذلك الكتاب على أنا أشركناهم في الأمر حتى يشهدوا لهم هذه الشهادة التي لا يسوغون مثلها في إثبات الشركة لعبد من عبيدهم في أحقر الأشياء فكيف يسوغونها في انتقاص الملك الذي لا خير عندهم إلا منه غير هائبين له ولا مستحين منه.
ولما كان التقدير : لم يكن شيء من ذلك فليسوا على بيان، بل على غرور، قال منبهاً لهم على ذميم أحوالهم وسفه آرائهم وخسة هممهم ونقصان عقولهم مخبراً أنهم لا يقدرون على الإيتان بشيء مما به يطلبون وأنه ليس لهم جواب عما عنه يسألون، وأكده لأجل ظنهم أن أمورهم في غاية الإحكام، ) بل أن ) أي ما ) يعد الظالمون ) أي الواضعون للأشياء في غير مواضعها ) بعضهم بعضاً ) أي الأتباع للمتبوعين بأن شركاءهم تقربهم إلى الله زلفى وأنها تشفع وتضر ولا تنفع ) إلا غروراً (.
ولما بين حقارة الأصنام وكل ما أشركوا به النسبة إلى جلال عظمته، وكانوا لا يقدرون على ادعاء الشركة في الخلق في شيء من ذلك، وكان ربما أقدم على ادعائه