صفحة رقم ٢٣٦
والحال أنه لا ) يحيق ) أي يحيط إحاطة لازمة ضارة ) المكر السيىء ) أي الذي هو عريق في السوء ) إلا بأهله ( وإن آذى غير أهله، لكنه لا يحيط بذلك الغير، وعن الزهري أنه قال : بلغنا أن النبي ( ﷺ ) قال ( لا تمكروا ولا تعينوا ماكراً فإن الله يقول هذه الاية، ولا تبغوا باغياً يقول الله ) إنما بغيكم على أنفسكم ( ولا تنكثوا ولا تعينوا ناكثاً قال الله :( ومن نكث فإنما ينكث على نفسه ( ).
ولما كان هذا سنة الله التي لا تبديل لها، قال مسبباً عن ذلك :( فهل ينظرون ) أي ينتظرون، ولعله جرد الفعل إشارة إلى سرعة الانتقام من الماكر المتكبر، ويمكن أن يكون من النظر بالعين لأنه شبه العلم بالانتقام من الأولين مع العلم بأن عادته مستمرة، لأنه لا مانع له منها لعظيم تحققه وشدة استيقانه وقوة استحضاره بشيء محسوس حاضر لا ينظر شيء غيره في ماض ولا آت لأن غيره بالنسبة إليه عدم.
ولما جعل استقبالهم لذلك انتظاراً منهم له، وكان الاستفهام إنكاريا، فكان بمعنى النفي قال :( إلا سنت الأولين ) أي طريقتهم في سرعة أخذ الله لهم وإنزال العذاب بهم.
ولما كان هذا النظر يحتاج إلى صفاء في اللب وذكاء في النفس، عدل عن ضميرهم إلى خطاب أعلى الخلق، تنبيهاً على أن هذا مقام لا يذوقه حق ذوقه غيره، فسبب عن حصر النظر أو الانتظار في ذلك قوله، مؤكداً لأجل اعتقاد الكفرة الجازم بأنهم لا يتغيرون عن حالهم وأن المؤمنين لا يظهرون عليهم :( فلن تجد ) أي اصلاً في وقت من الأوقات ) لسنت الله ) أي طريقة الملك الأعظم التي شرعها وحكم بها، وهي إهلاك العاصين وإنجاذ الطائعين ) تبديلاً ) أي من أحد يأتي بسنة أخرى غيرها تكون بدلاً لها لأنه لا مكافئ له ) ولن تجد لسنت الله ) أي الذي لا أمر لأحد معه ) تحويلا ) أي من حالة إلى أخفى منها لأنه لا مرد لقضائه، لأنه لا كفوء له، وفي الآية أن أكثر حديث النفس الكذب، فلا ينبغي لأحد أن يظن بنفسه خيراً ولا أن يقضي على غائب إلا أن يعلقه بالمشيئة تبرؤا من الحول والقوة لعل الله يسلمه في عاقبته.
فاطر :( ٤٤ - ٤٥ ) أو لم يسيروا.....
) أَوَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَكَانُواْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُواْ مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَآبَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً ( ( )
ولما بيّن أن حالهم موجب ولا بد للإيقاع بهم لما ثبت من أيام الله، وأنكر ذلك عليهم، وكان التقدير : ألم يسمعوا أخبار الأولين المرة وأحوالهم المستمرة من غير