صفحة رقم ٢٤٣
وسرها ولبابها، وإن أريد : يا سيد، فهو خلاصة من سادهم، وإن أريد : يا رجل، فهو خلاصة البشر، وإن أريد : يا محمد، فهو خالصة الرجال الذين هم لباب الشر الذين هم سر الأحياء الذين هم عين الموجودات فهو خلاصة الخلاصة وخيار وعين القلب، وكأن من قال معناه محمد نظر إلى الإتحاد في عدد اسمه ( ﷺ ) بالجمل بالنظر إلى اليمين في المشددة وعدد ) قلب ( وعدد اسمي الحرفين، ولا يخفى أن الهمزة في اسم الياء ألف ثانية، فمبلغ عدده اثنا عشر.
ولما تقدم في الملائكة إثبات رسالة النبي ( ﷺ ) وتهديد قومه على النفرة عنه، وأن مرسله تعالى بصير بعباده، عالم بما يصلحهم ومن يصلح منهم للرسالة وغيرها، وكان مدار مادة ( قرأ ) - كما مضى في سورة الحجر - الجمع مع الفرق، وكان ذلك أعلى مقامات السائرين إلى الله وهو وظيفة القلب، عبر في القسم بقوله :( والقرآن ( ووصفه بصفة القلب العازف فقال :( الحكيم ) أي الجامع من الدلالة على العلم المزين بالعمل والإرشاد إلى العمل المحكم بالعلم.
ولما كان قد ثبت في سورة الملائكة أنه سبحانه الملك الأعلى، لما ثبت له من تمام القدرة وشمول العلم، وكان من أجلّ ثمرات الملك إرسال الرسل إلى الرعايا بأوامر الملك وردهم عما هم عليه مما دعتهم إليه النفوس، وقادتهم إليه الشهوات والحظوظ، إلى ما يفتحه لهم من الكرم، ويبصرهم به من الحكم، وكانت الرسالة أحد الأصول الثلاثة التي تنقل الإنسان من الكفر إلى الإيمان، وكانت هي المنظور إليها أولاً لأنها السبب في الأصلين الآخرين، وكانوا قد ردوا رسالته نفوراً واستكباراً، قال مقدماً لها تقديم السببعلى مسببه على وجه التأكيد البليغ مع ضمير الخطاب الذي لا يحتمل لبساً :( إنك لمن المرسلين ) أي الذين حكمت عقولهم على دواعي نفوسهم، فصاروا - بما وهبهم الله القدرة النورانية - كالملائكة الذين قدم في السورة الماضية أنهم رسله وفي عدادهم بما تخلقوا به من أوامره ونواهيه وجميع ما يرتضيه.
ولما كان الأنبياء عليهم السلام من نوره ( ﷺ )، لأنه أولهم خلقاً وآخرهم بعثاً، فكانوا في الحقيقة إنما هم ممهدون لشرعه، وكان سبحانه إنما أرسله ليتمم مكارم الأخلاق، وكان قد جعل سبحانه من المكارم أن لا يكلم الناس إلا بما تسع عقولهم، وكانت عدم المرسلين كما في حديث أبي أمامة الباهلي عن أبي ذر رضي الله عنهما عند أحمد في المسند ثلاثمائة وخمسة عشر، وفيه أن الأنبياء مائة ألف وأربعة وعشرون


الصفحة التالية
Icon