صفحة رقم ٢٥١
في كونكم رسلاً دوننا، ولما كان التقدير : فما أرسلتم إلينا بشيء، عطفوا عليه قوله :( وما أنزل الرحمن ) أي العام الرحمة، فعموم رحمته مع استوائنا في عبوديته تقتضي أن يسوي بيننا في الرحمة فلا يخصكم بشيء دوننا، وأعرقوا في النفي بقولهم :( من شيء (.
ولما كان الإيتان على ما ذكر محتملاً للغلط نحوه، قالوا دافعين لذلك :( إن ) أي ما ) أنتم إلا تكذبون ) أي حالاً ومآلاً ) قالوا ) أي الرسل :( ربنا ) أي الذي لو لم يكن لنا وازع عن الكذب عليه إلا إحسانه إلينا لكان كافياً ) يعلم ) أي ولذلك يظهر على أيدينا الآيات، ويحمينا ممن يكيدنا، وهذه العبارة تجري مجرى القسم، وكذا نحو ) شهد الله (.
ولما واجهوهم بهذا التكذيب المبالغ في تأكيده زادوا في تأكيد جوابه فقالوا :( إنا إليكم ) أي خاصة ) لمرسلون ( ما أتيانكم غلطاً ولا كذباً، فالأول ابتداء أخبار، وهذان جوابا إنكار، فأعطى كلاًّ ما يستحق.
يس :( ١٧ - ٢٤ ) وما علينا إلا.....
) وَمَا عَلَيْنَآ إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ قَالُواْ إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُواْ لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ قَالُواْ طَائِرُكُم مَّعَكُمْ أَإِن ذُكِّرْتُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ وَجَآءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يقَوْمِ اتَّبِعُواْ الْمُرْسَلِينَ اتَّبِعُواْ مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُّهْتَدُونَ وَمَا لِيَ لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلاَ يُنقِذُونَ إِنِّي إِذاً لَّفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ( ( )
ولما قرروا ذلك عندهم، اتبعوه بدليله وبالإعلام بأن وبال التكذيب لا يحلقهم منه ضرر، إشارة لهم إلى الإنذار من عذاب الملك الجبار فقالوا :( وما علينا ) أي وجوباً من قبل من أرسلنا، وهو الله تعالى الذي له الأمر كله ) إلا البلاغ المبين ) أي المؤيد بالأدلة القطعية من الحجج القولية والفعلية بالمعجزات وغيرها، فلولا أنه يعلم لما أمكننا شيء من ذلك كما أن آلهتكم لما لم يكن لها علم لم يقدروا على بيان في أمرها بشيء، وإذ قد ثبت علم مرسلنا برسالتنا فهو الشاهد لنا بما يظهر على أيدينا وكفى به شهيداً.
ولما كان حلول الصالحين بين الناس يكون تارة نعمة وأخرى نقمة باعتبار التصديق والتكذيب والإساءة والإحسان، فكان قد حصل لهؤلاء الذين كذبوا هؤلاء الرسل بلاء لتكذيبهم لهم من جدب الأرض وصعوبة الزمان، ونحو ذلك من الامتحان، ذكر ما أثره ذلك عند أهل القرية فقال :( قالوا ( ولما كانوا لما يرون عليهم من الآيات


الصفحة التالية
Icon