صفحة رقم ٢٥٦
بقوله عاطفاً على ما تقديره : وما أنزلنا على قومه قبل قتلهم له من جند من السماء يحول بينهم وبين ذلك كما فعلنا بك إذ أراد أبو جهل قتلك بالصخرة وأنت ساجد عند البيت وغيره بغير ذلك مما هو مفصل في السير، وأما بعد الهجرة ففي غزوة الأحزاب إذ أرسلنا عليهم ريحاً وجنوداً ردتهم خائبين، وفي غزوة أحد وبدر وحنين وغير ذلك :( وما أنزلنا ( بما لنا من العظمة ) على قومه ) أي صاحب يس ) من بعده ) أي بعد قتله، وأعرق في النفي بقوله :( من جند ( وحقق المراد بقوله :( من السماء ) أي لإهلاكهم، وحقق أن إرسال الجنود السماوية أمر خص به ( ﷺ ) لأنه لحكم ترجع إلى النصرة بغير الاستئصال فإنهم يتبدون في صور الآدميين ويفعلون أفعالهم، وأما عذاب الاستئصال فإن السنة الإلهية جرت بأنه لا يكون بأكثر من واحد من الملائكة لأنه أدل على الاقتدار، فلذلك قال تعالى :( وما كنا منزلين ) أي ما كان ذلك من سنتنا، وما صح في حكمتنا أن يكون عذاب الاستئصال بجند كثير ) إن ) أي ما ) كانت ) أي الواقعة التي عذبوا بها ) إلا صيحة ( صاحها بهم جبريل عليه السلام فماتوا عن آخرهم ؟ وأكد أمرها وحقق وحدتها بقوله :( واحدة ) أي لحقارة أمرهم عندنا، ثم زاد في تحقيرهم ببيان الإسراع في الإهلاك بقوله :( فإذا هم خامدون ) أي ثابت لهم الخمود ما كأنهم كانت لهم حركة يوماً من الدهر، ومن المستجاد في هذا قول أبي العلاء أحمد ابن سليمان المعري :
وكالنار الحياة فمن رماد أواخرها وأولها دخان
يس :( ٣٠ - ٣٣ ) يا حسرة على.....
) يحَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ وَآيَةٌ لَّهُمُ الأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ ( ( )
ولما أخبر عنهم سبحانه بما هو الحق من أمرهم، ورغبهم بما ضرب لهم من المثل ورهبهم ولم ينفعهم ذلك، أنتج التأسيف عليهم وعلى الممثل بهم ومن شأبههم فقال تعالى :( يا حسرة ) أي هذا الحال مستحق لملازمة حسرة عظيمة ) على العباد ( فكأنه قيل لها : تعالى فهذا من أحوالك التي حقك أن تحضري فيها، فإن هؤلاء أحقاء بأن يتحسر عليهم، والحسرة : شدة الندم على ما فات، فأحرق فقده وأعيى أمره، فلا حيلة في رده، ويجوز أن يكون المعنى أن العباد - لكثرة ما يعسكون من أعمالهم - لا تفارقهم أسباب الحسرة ولا حاضر معهم غيرها، فلا نديم لهم إلا هي، ولا مستعلي عليهم وغالب لهم سواها.
ولما كان كأنه قيل : أيّ حال ؟ قال مبيناً له ومعللاً للتحسر بذكر سببه :( ما


الصفحة التالية
Icon