صفحة رقم ٢٦٢
أي الذي كان مختلطاً به بإزالة الضوء وكشفه عن حقيقة الليل ) فإذا هم ( بعد إزالتنا للنهار الذي سلخناه من الليل ) مظلمون ) أي داخلون في الظلام بظهور الليل الذي كان الضياء ساتراً كما يستر الجلد الشاة، قال الماوردي : وذلك أن ضوء النهار يتداخل في الهواء فيضيء فإذا خرج منه أظلم - نقله ابن الجوزي عنه، وقد أرشد السياق حتماً إلى أن التقدير : والنهار نسلخ منه الليل الذي كان سانره وغالباً عليه فإذا هم مبصرون.
ولما ذكر الوقتين، ذكر آيتيهما فقال :( والشمس ) أي التي سلخ النهار من الليل بغيبوبتها ) تجري ( ولما كان غيابها بالليل مثل سكون الإنسان في مبيته، وجعلها على خط قدر لسيرها كل يوم بتقدير لا زيع فيه ومنهاج لا يعوج، قال :( لمستقر ) أي عظيم ) لها ( وهو السير الذي لا تعدوه جنوباً ولا شمالاً ذاهبة وآئبة، وهي فيه مسرعة - بدليل التعبير باللام في موضع ( إلى ) ويدل على هذا قراءة ( لا مستقر لها ) بل هي جارية ابداً إلى انقراض الدنيا في موضع مكين محكم هو أهل للقرار، وعبر به مع أنها لا تستقر ما دام هذا الكون لئلا يتوهم أن دوام حركتها لأجل أن موضع جريها لا يمكن الاستقرار عليه، ولا ينافي هذا ما في صحيح البخاري وفي كتاب الإيمان من صحيح مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه أن النبي ( ﷺ ) قال ( مستقرها تحت العرش، وأنها تذهب فتستأذن في السجود فيؤذن لها وكأنها قد قيل لها : ارجعي من حيث جئت، فتطلع من مغربها ) هذا لفظ مسلم، وسيأتي لفظ البخاري، ويمكن أن يكون المستقر آخر جريها عند إبادة هذا الوجود.
ولما كان هذا الجري على نظام لا يختل على مر السنين وتعاقب الأحقاب تكل الأوهام عن استخراجه، وتتحير الأفهام في استنباطه، عظمه بقوله :( ذلك ) أي الأمر الباهر للعقول ؛ وزاد في عظمه بصيغة التفعيل في قوله :( تقدير ( وأكد ذلك لافتاً القول عن مطلق مظهر العظمة إلى تخصيصه بصفتي العزة والعلم تعظيماً لهذه الآية تنبيهاً على نوع مغالبة، وهو غالب على كل شيء ) العليم ) أي المحيط علماً بكل شيء الذي يدبر الأمر، فيطرد على نظام عجيب ونهج بديع لا يعتريه وهن لا يلحقه يوماً نوع خلل إلى أن يريد سبحانه إبادة هذا الكون فتسكن حركاته وتفنى موجوداته، روى البخاري عن