صفحة رقم ٢٦٧
ولما ذكر قلة خيرهم المستندة إلى تهكمهم باليوم الذي ذكروا به بالأمر بالاتقاء والتعليل بترجي الرحمة، أتبعه حكاية استهزاء آخر منهم دال على عظيم جهلهم بتكذيبهم بما يوعدون على وجه التصريح بذلك اليوم والتصوير له بما لا يسع من له أدنى مسكة غير الانقياد له فقال :( ويقولون ) أي عادة مستمرة مضمونة إلى ما تقدم مما يستلزم تكذيبهم، وزادوا بالتعبير بأداة القرب في تقريعهم إشارة إلى أنكم زدتم علينا في التهديد به والتقرب له حتى ظن أنه مصحبنا أو ممسينا ولم نحس منه عيناً ولا أثراً :( متى هذا ( وزادوا في الاستهزاء بتسميته وعداً فقالوا :( الوعد ) أي الذي تهددوننا به تارة تلويحاً وتارة تصريحاً، عجلوه لنا.
وألهبوا وهيجوا زيادة في التكذيب بقولهم :( إن كنتم صادقين ( ولما كان الحازم من لا يتهكم بشيء إلا إذا استعد له بما هو محقق الدفع، بين سفههم بإتيانها بغتة وبأنه لا بد من وقوعها، وأنها بحيث تملأ السماوات والأرض، فكأنه لا شيء فيهما غيرها بقوله :( إلا صيحة ( وبين حقارة شأنهم وتمام قدرته بقوله :( واحدة ( وهي النفخة الأولى المميتة، واقتصر في تأكيد الوحدة على هذا بخلاف ما يأتي في المحيية لأنهم لا ينكرون أصل الموت ) تاخذهم ) أي تهلكهم ؛ وبين غرورهم بقوله :( وهم يخصمون ) أي يختصمون أي يتخاصمون في معاملاتهم على غاية من الغفلة، ولعله عبر بذلك إشارة بالإدغام اللازم عنه التشديد إلى تناهي الخصام بإقامة أسبابه أعلاها وأدناها إلى حد لا مزيد عليها، ويشير الإدغام أيضاً إلى أن خصومتهم في غاية الخفاء بالنسبة إلى الصيحة، وأن بلغت الخصومة النهاية في الشدة، ولم يقرأ أحد ( يختصمون ) بالإظهار إشارة إلى أنه لا يقع في ذلك الوقت خصومه كاملة حتى تكون ظاهرة بل تهلكهم الصيحة قبل استيفاء الحجج وإظهار الدلائل، فمنها ما كان ابتدأ فيه اصحابه فأوجزوا - بما أشارت إليه قراءة حمزة بإسكان الخاء وكسر الصاد مخففاً، ومنها ما كان متوسطاً وفيه خفاء وعلو - بما أشار إليه تشديد الصاد مع اختلاس فتحة الخاء، ومنها ما هو كذلك وهو إلى الجلاء أقرب - بما أشار أخلاص فتحة الخاء مع تشديد الصاد، وأشار من قرأه كذلك مع كسر الخاء إلى التوسط مع الخفاء والسفول، والله أعلم.
ولما كانت هذه النفخة المميتة، سبب عنها قوله :( فلا يستطيعون توصية (