صفحة رقم ٢٧٤
سلطته به من الوسوسة، وأكده إشارة إلى أنه أمر لا يكاد أن يصدق به لما يبعد ارتكابه في العادة من اتضاح أمره وظهور فساده وضره.
ولما كان الآدمي شديد الشكيمة عالي الهمة إذا أراد، عبر بقوله :( جبّلاً ) أي أمما كباراً عظاماً كانوا كالجبال في قوة العزائم وصعوبة الانقياد، ومع ذلك فكان يتلعب بهم تلعباً، فسبحان من أقدره على ذلك وإلا فهو أضعف كيداً وأحقر أمراً، قال في القاموس : الجبل - بالضم : الشجر اليابس والجماعة منا كالجبل كعنق وعدل وطمر وطمرة وأمير، ثم قال : وبالكسر وبالضم وكطمرة : الأمة والجماعة، ثم قال : والجبلة مثلثة ومحركة وكطمرة : الخلقة والطبيعة.
ودلت قراءة أبي عمرو وابن عامر بضم الجيم وإسكان الباء وتخفيف اللام على الذين هم في أول مراتب الشدة والقوة، وقراءة ابن كثير وحمزة والكسائي ورويس عن يعقوب بضمتين وتخفيف على ما فوق ذلك مما يقرب من الوسط مع الظهور والعلو للضم من القوة، وقراءة روح كذلك مع تشديد على ما فوق الوسط - بما أشارت إليه الحركات والتشديد، ولكنه مع خفاء، وكأنه بالمكر بما أشار إليه كون الحركتين بالكسر، وعظم سبحانه الأمر بقوله :( كثيراً ( ثم زاد في التوبيخ والإنكار بما أنتجه المقام وسببه إضلاله لهم مع ما اوتوا من العقول من قوله :( أفلم ( ولما كان سبحانه قد آتاهم عقولاً وأيّ عقول، عبر بالكون فقال :( تكونوا تعقلون ) أي لتدلكم على ما فيه النجاة عقولكم بما نصبت من الأدلة، ومع ما نبهت عليه الرسل، وحذرت منه من إهلاك الماضين، بسبب اتباع الشياطين، وغير ذلك من كل أمر واضح مبين.
ولما أنكر عليهم أن يفعلوا فعل من لا عقل له، قال متمماً للخزي :( هذه ( إشارة لحاضر أما حال الوقوف على شفيرها أو الدّع فيها ) جهنم ) أي التي تستقبلكم بالعبوسة والتهجم كما كنتم تفعلون بعبادي الصالحين :( التي كنتم ) أي كوناً هيأتكم به لقبول ما يمكن كونه بما غرزته فيكم من العقول.
ولما كان المحذور الإيعاد بها، لا كونه من معين، قال بانياً للمفعول :( توعدون ) أي إن لم ترجعوا عن غيّكم ) اصلوها ) أي قاسوا حرها وتوقدها واضطرامها، وهوّل أمر ذلك اليوم بإعادة ذكره على حد ما مضى فقال :( اليوم ( لتكونوا في شغل شاغل كما كان أصحاب الجنة، وشتان ما بين الشغلين ) بما ) أي بسبب ما.
ولما كانوا قد تجلدوا على الطغيان تجلد من هو مجبول عيله، بيّن ذلك بذكر الكون فقال :( كنتم تكفرون ) أي تسترون ما هو ظاهر جداً بعقولكم من آياتي مجددين ذلك مستمرين عليه.
يس :( ٦٥ - ٦٩ ) اليوم نختم على.....
) الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَآ أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ