صفحة رقم ٢٧٦
قبل أول ذلك الخطاب من قوله ) إنا جعلنا في أعناقهم أغلالاً ( الاية، دفعاً لما ربما وقع في وهم أحد أن القدرة لا تتوجه إلى غير الطمس في المعاني بضرب السد وما في معناه، فأخبر أنه كما أعمى البصائر قادر على إذهاب الأبصار، فقال مؤكاً لما لهم من الإنكار أو الأفعال التي هي فعل منكر :( ولو ( وعبر بالمضارع في قوله :( نشآء ( ليتوقع في كل حين، فيكون أبلغ في التهديد ) لطمسنا ( وقصر الفعل إشارة إلى أن المعنى : لو نريد لأوقعنا الطمس الذي جعلناه على بصائرهم ) على أعينهم ( فأذهبنا عينها وأثرها، وجعلناها مساوية للوجه بحيث تصير كأنها لم تكن أصلاً، وقد تقدم في النساء نقل معنى هذا عن ابن هشام.
ولما كان الجالس مع شخص في مجلس التنازع وهو يهدده إن لم يرجع عن غيه بقارعة يصيبه بها يبادر الهرب إذا فاجأته منه مصيبة كبيرة خوفاً من غيرها جرياً مع الطبع لما ناله من الدهش، ومسه من عظيم الانزعاج والوجل، كما اتفق لقوم لوط عليه السلام لما مسح جبريل عليه السلام أعينهم فأغشاها حين بادروا الباب هراباً يقولون : عند لوط أسحر الناس، سبب عن ذلك قوله :( فاستبقوا ) أي كلفوا أنفسهم ذلك واوجدوه.
ولما كان المقصود بيان إسراعهم في الهرب، عدى الفعل مضمناً له معنى ) ابتدروا ( كما قال تعالى :
٧٧ ( ) واستبقوا الخيرات ( ) ٧
[ البقرة : ١٤٨ ] فقال :( الصراط ) أي الطريق الواضح الذي ألفوه واعتادوه، ولهم به غاية المعرفة.
ولما كان الأعمى لا يمكنه في مثل هذه الحالة المشي بلا قائد فضلاً عن المسابقة، سبب عن ذلك قوله منكراً :( فأنى ) أي كيف ومن اين ) يبصرون ) أي فلم يهتدوا للصراط لعدم إبصارهم بل تصادموا فتساقطوا في المهالك وتهافتوا.
ولما كان هذا كله مع القدرة على الحركة قال :( ولو نشاء ) أي أن نمسخهم ) لمسخناهم ) أي حولناهم إلى الجمادية فأبطلنا منهم الحركة الإدراية.
ولما كان المقصود المفاجأة بهذه المصائب بهذه المصائب بياناً لأنه سبحانه لا كلفة عليه في شي من ذلك قال :( على مكانتهم ) أي المكان الذي كان قبل المسخ كل شخص منه شاغلاً له بجلوس أو قيام أو غيره في ذلك الموضع خاصة قبل أن يتحرك منه، وهو معنى قراءة شعبة عن عاصم ( مكانتهم ) ودل على أن المراد التحويل إلى أحوال الجمادية بما سبب عن ذلك من قوله :( فما استطاعوا ) أي بأنفسهم بنوع معالجة ) مضيّاً ) أي حركة إلى جهة من الجهات ؛ ثم عطف على جملة الشرط قوله :( ولا يرجعون ) أي يتجدد لهم بوجه من الوجوه رجوع إلى حالتهم التي كانت قبل المسخ دلالة على أن هذه الأمور حق لا كما يقولون من أنها خيال وسحر، بل ثباتها لا يمكن أحداً من الخلق رفعه ولا تغيره