صفحة رقم ٢٨٢
جليل، لا يتأتى مع الوزن أو يكون لا فرق بين أدائه موزوناً ومكسوراً، وهكذا السجع سواء، ومن هنا علم أنه ليس المعنى أنه لا يحسن الوزن، بل المعنى أن تعمد الوزن والسجع نقيصة لا تليق بمنصبه العالي لأن الشاعر مقيد بوزن وروي وقافية، فإن إطاعه المعنى مع ما هو مقيد به كان وإلا احتال في إتمام ما هو مقيد به وإن نقص المعنى، والساجع قريب من ذلك، فهاذ هو الذي لم يعمله الله له، لأنه ( ﷺ ) تابع للمعاني والحقائق والحكم التي تفيد الحياة الدائمة، لأنه مهيأ بالطبع المستقيم لذلك غير مهيأ لغيره من التكلف، وإذا أنعمت النظر في آخر الآية الذي هو تعليل لما قبله تحققت أن هذا هو المراد، فوضح أيّ وضوح بهذا أن كلاًّ منهما نقيصة، فلا يتحرك شيء من أخلاقه الشريفة نحوها، ولا يكون له بذلك شيء من الاعتناء، وقد أشبعت الكلام في هاذ وأتقنته في كتابي ( مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور ) وهو كالمدخل إلى هذا الكتاب - والله الموفق للصواب.
ولما أخبر سبحانه بإعماء أفكارهم، وهدد بطمس أبصارهم، مسخهم على مقاعدهم وقرارهم، وأعلم بأن كتابه خاتم بإنذارهم، ذكرهم بقدرته وقررهم تثبيتاً لذلك ببدائع صنعته، فقال عاطفاً على ما تقديره : ألم يروا ما قدمناه وأفهمته آية ) ومن نعمره ( وما بعدها من بدائع صنعنا تلويحاً وتصريحاً الدال على علمنا الشامل وقدرتنا التامة، فمهما صوبنا كلامنا إليه حق القول عليه ولم يمنعه مانع، ولا يتصور له دافع ) أولم يروا ) أي يعلموا علماً هو كالرؤية ما هو أظهر عندهم دلالة من ذلك في أجل أموالهم، ولا يبعد عندي - وإن طال المدى - أن يكون معطوفاً على قوله :( ألم يروا كما أهلكنا قبلهم من القرون ( فذاك استعطاف إلى توحيده بالتحذير من النقم، وهذا بالتذكير بالنعم، ونبههم على ما في ذلك من العظمة بسوق الكلام في مظهرها كما فعل في آية إهلاك القرون فقال :( أنا خلقنا لهم ( وخصها بنفسه الشريفة محواً للأسباب وإظهاراً لتشريفهم بتشريفها في قوله :( مما عملت (.
ولما كان الإنسان مقيداً بالوهم لا ينفك عنه، ولذلك يرة الأرواح في المنام في صور أجسادنا، وكانت يده محل قدرته وموضع اختصاصه، عبر له بما يفهمه فقال :( أيدنا ( لأي بغير واسطة على علم منا بقواها ومقاديرها ومنافعها وطبائعها وغير ذلك من أمورها ) أنعاماً ( ثم بين كونها لهم بما سبب عن خلقها من قوله :( فهم لها مالكون ) أي ضابطون قاهرون من غير قدرة لهم على ذلك لولا قدرتنا بنوع التسبب.
ولما كان الملك لا يستلزم الطواعية، قال تعالى :( وذللناها لهم ) أي يسرنا قيادها، ولو شئنا لجعلناها وحشية كما جعلنا أصغر منها وأضعف، فمن قدر على تذليل