صفحة رقم ٢٩١
ولما كانت الإفاضة مسببة عن حسن التلقي المسبب عن تفريغ البال المسبب عن هيبة المفيد، وكان فيض التلاوة أعظم الفبض قال :( فالتاليات ) أي التابعات استدلالاً على قولهم وفعلهم وتمهيداً لعذرهم وتشريفاً لقدرتهم، وتكميلاً لغيرهم :( ذكراً ) أي موعظة وتشريفاً وتذكيراً من ذكر ربهم غفاضة على غيرهم من روح العلم وإدغام التاء في الصاد والزاي والذال إشارة إلى أن ذلك مع هوله وعظمه قد يخفى من غير من يريد الله إطلاعه عليه، فقد قطعت الصيحة قلوب الكفرة من ثمود وغيرهم، ولم تؤثر فيمن آمن منهم، وقد كان جبريل عليه السلام ينزل على النبي ( ﷺ ) ما يأتي به من القرآن والصحابة رضي الله عنهم حوله لا يستمعون شيئاً منه - والله الموفق ) إن إلهكم ) أي الذي اتخذتم من دونه آلهة ) لواحد ) أي فإن التفرق لا يأتي بخير، لما يصحبه من العجز البعيد جداً عن الكمال الذي لا تكون الإلهية أصلاً إلا معه، فإليه لا إلى غيره ترجعون ليفصل بينكم فيما كنتم فيه تختلفون، وهو الذي أنزل هذا الكتاب بعزته ورحمته وحرسه من اللبس وغيره بما سيذكر من كبريائه وعظمته ولو لم يكن واحداً لاختل أمر هذا الاصطفاف والزجر والتلاوة، وما يترتب عليها، فاختل نظام هذا الوجود الذي نشاهده كما نشاهد في أحوال الممالك عند اختلاف الملوك في تغيير العوائد ونسخ الشرائع التي كان من قبلها أطدها وجميع ما له من الآثار والخصائص، ونحن نشاهد هذا الوجود على ما أحكمه سبحانه وتعالى لا يتغير شيء منه عن حاله الذي حده له، فعلمنا أنه واحد لا محالة متفرد بالعظمة، لا كفوء له من غير شك.
وقاال الإمام أبو جعفر بن الزبير : لما تضمنت سورة يس من جليل التنبيه وعظيم الإرشاد وما يهتدي الموفق باعتبار بعضه، ويشتغل المعتبر به في تحصيل مطلوبه وفرضه، ويشهد بأن الملك بجملته لواحد، وإن رغم أنف المعاند والجاحد، أتبعها تعالى بالقسم علة وحدانيته فقال تعالى ) والصافات ( - الآية إلى قوله تعالى ) إن إلهكم لواحد ( إلى قوله ) ورب المشارق ( ثم عاد الكلام إلى التنبيه لعجيب مصنوعاته فقال تعالى ) إنا رأينا السماء الدنيا بزينة الكواكب ( إلى قوله ) شهاب ثاقب ( ثم أتبع بذكر عناد من جحد مع بيان الأمر ووضوحه وضعف ما خلقوا منه ) إنا خلقناهم من طين لازب ( ثم ذكر استبعادهم العودة الأخروية وعظيم حيرتهم وندمهم إذا شاهدوا ما به كذبوا، والتحمت الآي إلى ذكر الرسل مع أممهم وجريهم في العناد والتوقف والتكذيب على سنن متقارب، وأخذ كل بذنبه، وتخليص رسل الله وحزبه، وإبقاء جميل ذكرهم باصطفائهم وقربه، ثم عاد الكلام إلى تعنيف المشركين وبيان إفك المعتدين إلى ختم السورة - انتهى.