صفحة رقم ٣٠٤
الدراهم فيخلطونها بالتراب ثم يجمعونه طويلاً ثم يقسمونه بنصفين ويتقارعون عليه، فمن أصابه القرعة اختار من القسمين واحداً، فلما كان المفايل يختار منهما ما أحب سمي الفال، لأنه يتفاءل بما يحبه، وكان هذا في العرب كثيراً، وأكثره في بني أسد، قال الأصمعي : أخبرني سعد بن نصر أن نفراً ومن الجن تذاكروا عيافة بني أسد فأتوهم فقالوا : ضلت لنا ناقة، فلو أرسلتم معنا من يعيف، فقالوا لغليهم لهم : انطلق معهم، فاستردفه أحدهم، ثم ساروا فلقيتهم عقاب كاسرة إحدى جناحيها، فاقشعر الغليم فبكى فقالوا له : ما لك ؟ فقال : كسرت جناحاً، ورفعت جناحاً، وحلفت بالله صراحاً، ما أنت بإنسي ولا تبغي لقاحاً.
وكانوا يسمون الذي يجيء عن يمينك فيأخذ إلى شمالك سانحاً، والذي يجيء عن يسارك فيأخذ غلى يمينك بارحاً، والذي يستقبلك ناطحاً وكافحاً، والذي يجيء من خلفك قعيداً، والذي يعرض في كل وجه متيحاً، فمنهم من كان بتشاءم بالبارح ويتيمن بالسانح، ومنهم من كان يتيمن بالبارح ويتشاءم بالسانح، قال زهير :
جرت سنحاً فقلت لها أجيزي نوى مشمولة فمتى اللقاء
وقال الكميت :
ولا السانحات البارحات عشية أمر سليم القرن أم مر أعضب
وكانوا يزجرون بعضب القرن وصحته، والأعضب الذي له قرن واحد، وأما القائف فهو الذي يتبع الآثار ويعرفها ويعرف شبه الرجل في ولده، ويروى عن عوسجة ابن معقب القائف : قال : كنا تسرق نخلنا فنعرف آثارهم، فركبوا الحمر فعرفنا بمس ايديهم والعذوق، فكان القائف سمي قائفاً لأنه يقفو الأثر، يقال : قفا الأثر وقاف الأثر أي تبعه، قال الأصمعي عن أبي طرفة الهذلي قال : رأى قائفان أثر بعير وهما منصرفان من عرفة بعد الناس بيوم أو يومين فقال أحدهما : ناقة، وقال الآخر : جمل، فاتبعاه فإذا هما به، فاطافا به فإذا هو خنثى، ويقال للرجل إذا كان فطناً عارفاً بالأمور : هو عائف وقائف، وكان قوم من العرب لا يتطيرون ولا يتهيبون الطيرة ويفتخرون بتركه ويعدون تركه شجاعة وإقداماً، قال بعض شعرائهم :
ولقد غدوت وكنت لا أغدو على واق وحاتم