صفحة رقم ٣١٠
وزاد رغباً بالوصف الذي لا وصف أجلّ منه فقال :( المخلصين (.
ولما خلصهم منهم، ذكر ما لهم فقال معظماً لهم بأداة البعد :( أولئك ) أي العالو القدر بما صفوا أنفسهم عن أكدار الأهوية ) لهم رزق معلوم ) أي يعلمون غائبه وكائنه وآتيه وطعمه ونفعه وقدره وغبّه وجميع ما يمكن علمه من أموره، وليسوا مثل ما هم عليه في هذه الدار من كدر الأخطار ) لا تدري نفس ماذا تكسب غداً ( لأن النفس إلى المعلوم أسكن، وبالأنس إليه أمكن.
ولما كان أهل الجنة لا يأكلون تقوتأً واحتياجاً، بل تنعماً والتذاذاً وابتهاجاً، لأن أجسامهم محكمة مخلوقة للأبد، فهي غير محتاجة إلى حفظ الصحة قال :( فواكه ) أي يتنعمون بها بما كدروا من عيشهم في الدنيا.
ولما كان الذي هو نعيم الجسم لا يحمد غاية الحمد إلا ما العز الذي هو غذاء الروح قال :( وهم مكرمون ( بناه للمفعول إشارة إلى أن وجود إكرامهم من كل شيء أمر حتم لا يكون غيره أصلاً.
ولما كان الإكرام لا يتم إلا مع طيب المقام قال :( في جنات النعيم ) أي التي لا يتصور فيها غيره.
ولما كان التلذذ لا يكمل إلا مع الأحباب، وكانت عادة الملوك الاختصاص بالمحل الأعلى، بين أنهم كلهم ملوك فقال :( على سرر متقابلين ) أي ليس فيهم أحد وجهه إلى غير وجه الآخر على كثرة العدد.
ولما كان ذلك لا يكمل إلا بالشراب، وكان المقصود الطواف فيه، لا كونه من معين، قال :( يطاف ( بالبناء للمفعول وكأنها يدلى إليهم من جهة العلو ليكون أشرف لها وأصون، فنبه على ذلك بأداة الاستعلاء فقال :( عليهم ) أي وهم فوق أسرتهم كالملوك ) بكأس ) أي إناء فيه خمر، قالوا : وإن لم يكن في الزجاجة خمر فهي قدح، ولا تسمى كأساً إلا والخمر فيها ) من معين ) أي من خمر جارية في أنهارها، ظاهرة للعيون تنبع كما تنبع الماء لا يعالجونها بعصير، ولا يحملهم على الرفق بها والتقصير فيها نوع تقصير، قال الرازي : إنما سميت به إما من ظهروها للعين أو لشدة جريها من الإمعان في السير أو لكثرتها من المعن، وهو الكثير، وسمي الماعون لكثرة الانتفاع به، ويقال : مشرب ممعون : لا يكاد ينقطع.
الصافات :( ٤٦ - ٥٤ ) بيضاء لذة للشاربين
) بَيْضَآءَ لَذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ لاَ فِيهَا غَوْلٌ وَلاَ هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ قَالَ هَلْ أَنتُمْ مُّطَّلِعُونَ ( ( )


الصفحة التالية
Icon