صفحة رقم ٣١٦
أكبادهم من شديد الجوع زيادة فيث العذاب، ولما جرت العادة بأن الآكل المتنعم يتفكه بعد أكله بما يبرد غلة كبده، قال مشيراً إلى تناهي شناعة متفكههم، وطويل تلهبهم من عطشهم، بأداة التراخي وآلة التأكيد لما لهم في ذلك من عظيم الإنكار :( ثم إن لهم عليها ) أي على أكلهم منها ) لشوياً ) أي خلطاً عظيم الإحراق ) من حميم ) أي ماء حار كأنه مجمع من مياه من عصارات شتى من قيح وصديدونحوهما - نسأل الله العافية.
ولما كان ما ذكر للفريقين إنما هو النزل الذي مدلوله ما يكون في أول القدوم على حين غفلة، وكانوا يريدون الحميم كما يورد الإبل الماء، وكان قوله تعالى
٧٧ ( ) يطوفون بينها وبين حميم آن ( ) ٧
[ الرحمن : ٤٤ ] يدل على أن ذلك خارجها أو خارج غمرتها، كما تكون الأحواض في الحيشان خارج الأماكن المعدة للأبل، قال مبيناً أنه لهم ما هو أشد شناعة من ذلك ملوحاً إليه بأداة التراخي :( ثم إن مرجعهم ) أي بعد خروجهم من دار ضيافتهم الزقومية ) لإلى الجحيم ) أي ذات الاضطرام الشديد، والزفير والبكاء والاغتنام الطويل المديد، كما أن حزب الله يتقلبون من جنات النعيم إلى جنات المأوى مثلاً إلى جنات عدن إلى الفردوس التي لا يبغون عنها حولاً كما ينقل أهل السعة والأكابر من أهل الدنيا ضيوفهم في البساتين المتواصلة والمناظر، وينزهزنهم في القصور العالية والدساكر.
ولما أخبر عن عذابهم هذا، وكان سببه الجمود مع العادة الجارية على غير الحق، والتقيد بما ألفته النفس ومال إليه الطباع، مما أصّله من يعتقدون أنه أكبر منهم وأتم عقلاً، علل ذلك تحذيراً من مثله لأنه كان سبب هلاك أكثر الخلق، وأكده لأنهم ينكرون ضلال من اصّل لهم، فتلك العوائد من آبائهم وغيرهم فقال :( إنهم ألفوا ) أي وجدوا وجدانا ألفوه ) آباءهم ضالين ) أي عريقين في الضلال، فما هم فيه لا يخفى على أحد أنه ضلال يتسبب عنه النفرة عن صاحبه ) فهم ) أي البعداء البغضاء ) على آثارهم ) أي التي لا تكاد تبين لأحد لخفاء مذاهبها لوهيها وشدة ضعفها وانطماس معالمها، لا على غيرها ) يهرعون ) أي كأنهم يلجئهم ملجئ إلى الإسراع، فهم في غاية المبادرة إلى ذلك من غير توقف على دليل ولا استضاءة بحجة بحيث يلحق صاحب هذا الإسراع من شدة تكالبه عليه شيء هو كالرعدة، وذلك ضد توقفهم وجمودهم فيما أتاهم به رسولنا ( ﷺ ) من شجرة الزقوم وغيرها مما هو في غاية الوضوح والجلاء، فأمعنوا في التكذيب به والاستهزاء، وأصروا بعد قيام الدلائل، فكانوا كالجبال ثباناً على ضلالهم، والحجارة الصلاب الثقال رسوخاً في لازب أوحالهم.


الصفحة التالية
Icon