صفحة رقم ٣١٩
الترك بشيء هو من عظمته وحسن ذكره بحيث يعز وصفه ) في الآخرين ) أي كل من تأخر عن زمانه إلى يوم الدين.
ولما كان قد كتب الله في القدم سلامته من كل سوء على كثرة الأعداء وطول الإقامة فيهم وشدة الخلاف قال تعالى مستأنفاً مادحاً :( سلام ) أي عظيم ) على نوح ( من كل حي من الجن والأنس والملائكة لسلام الله عليه.
ولما كان لسان جميع أهل الأرض في زمانه عليه السلام واحداً، فكانوا كلهم قومه، ولم يكن في زمانه نبي، فكانت نبوته قطب دائرة ذلك الوقت، فكان رسالته عامة لأهله، وكان غير الناس من الخلق لهم تبعاً، خصه في السلام بأن قال :( في العالمين ) أي مذكور فيهم كلهم لفظاً ومعنى يسلم عليه دائماً إلى أن تقوم الساعة، وخصوصية نبينا ( ﷺ ) بأنه أرسل إلى جميع الخلق مع اختلاف الألسنة ومع استمرار الرسالة أبد الآباد، وكون شريعته ناسخة غير منسوخة، وكون جميع الخلق في القيامة تحت لوائه، فهناك يظهر تمام ما أوتيه من عموم البعثة إلى ما ظهر منه في الدنيا.
ولما كان التقدير : فعلنا به ذلك لإحسانه، وكان الضالون ينكرون أن تنجو الدعاء إلى الله وأتباعهم منهم، أخبر في سياق التأكيد أنه يفعل بكل محسن ما فعل به فقال ) إنا ) أي على عظمتنا ) كذلك ) أي مثل ذلك الجزاء بالذكر الحسن والنجاة من كل سوء ) نجزي المحسنين ) أي الذين يتجردون من الظلمات النفسانية إلى الأنوار الملكية بحيث لا يغفلون عن المعبود، ولا ينفكون لحظة عن الشهود.
ولما أفهمت هذه الجملة - ولا بد - إحسانه إلى المحسن، علل ما أفمهته بقوله : مؤكداً إظهاراً للإقبال عليه بأن ذكره مما يرغب فيه، وتكذيباً لمن كذبه :( إنه من عبادنا ) أي الذين هم أهل لأن نضيفهم إلى مقام عظمتنا ) المؤمنين ) أي الراسخين في هذا الوصف، المتمكنين فيه، فعلم أن الإيمان هو المراد الأقصى من الإنسان لأنه علل الإنجاء بالإحسان والإحسان بالبيان، ولما أفهم تخصيص ذريته بالبقاء إهلاك غيرهم، وقدم ما هو أهل له من مدحه اهتماماً به وترغيباً في مثله، أخبر عن أعدائه بأنه أوقع بهم لأنهم لم يتحلوا بما كان سبب سعادته من الإيمان بقوله : مشيراً إلى العظمة التي أوجدها سبحانه في إغراقهم بأداة التراخي :( ثم اغرقنا ) أي بما لنا من العظمة التي لا يقوم لها شيء ) الآخرين ) أي الذي غايروه في الأقوال والأفعال فاستحقوا أضداد أفعالنا معه وهو أهل الأرض كلهم غير أهل السفينة وكلهم قومه كما هو ظاهر الآيات إذا تؤمل تعبيرها عن الدعوة والإغراق ودعائه عليه السلام عليهم، وظاهر ما رواه الشيخان وغيرهما عن أنس رضي الله عنه في حديث الشفاعة أن الناس يقولون ( ائتوا نوحاً أول


الصفحة التالية
Icon