صفحة رقم ٣٢٤
) فقال ( منكراً عليها متهكماً بها ظاهراً وموبخاً لقومه حقيقة :( ألا تأكلون ( ثم زاد في إظهار الحق والاستهزاء بانحطاطها عن رتبة عابديها فقال :( ما ) أي أيّ شيء حصل ) لكم ( في أنكم ) لا تنطقون (.
ولما أخبر تعالى أنه أظهر ما يعرفه باطناً من الحجة فقال :( فراغ ) أي سبب عن إقامته الحجة أنه أقبل مستعلياً ) عليهم ( بغاية النشاط والخفة والرشاقة يضربهم ) ضربا باليمين ) أي بغاية القوة، وجعل السياق للمصدر إشارة إلى قوة الهمة بحيث صار كله ضرباً.
ولما تسبب عن ذلك أنهم لما علموا بكسرها ظنوا فيه لما كانوا يسمعونه منه من ذمها وحلفه بأنه ليكيدها فأتوه، أخبر عن ذلك بقوله مسبباً :( فأقبلوا ( ودل على أنه من مكان بعيد بقوله :( إليه يزفون ) أي يسرعون، وقراءة حمزة بالبناء للمفعول أدل على شدة الإسراع لدلاتها على أنهم جاؤوا على حالة كان حاملاً يحملهم فيها على الإسراع وقاهراً يقهرهم عليه من شدة ما في نفوسهم من الوجد.
ولما كان من المعلوم أنهم كلموه في ذلك فطال كلامهم، وكان تشوف النفس إلى جوابه أكثر، استأنف الخبر عنه في قوله :( قال ( غير هائب لهم ولا مكترث بهم لرؤيته لهم فانين منكراً عليهم :( أتعبدون ( وندبهم بالمضارع إلى التوبة والرجوع إلى الله، وعبر بأداة ما لا يعقل كما هو الحق فقال :( ما تنحتون ) أي إن كانت العبادة تحق لأحد غير الله فهم أحق أن يعبدوكم لأنكم صنعتموهم ولم يصنعوكم.
ولما كان المتفرد بالنعمة وهو المستحق للعبادة، وكان الإيجاد من أعظم النعم، وكان قد بين أنهم إنما عبدوها لأجل عملهم الذي عملوه فيها فصيرها إلى ما صارت إليه من الشكل، قال تعالى مبيناً أنه هو وحده خالقهم وخالق أعمالهم التي ما عبدوا في الحقيقة إلا هي، وأنه لا مدخل لمنحوتاتهم في الخلق فلا مدخل لها في العبادة :( والله ) أي والحال أن الملك الأعظم الذي لا كفوء له ) خلقكم ) أي أوجدكم على هذه الأشكال ) وما تعملون ) أي وخلق عملكم ومعمولكم، فهو المتفرد بجميع الخلق من الذوات والمعاني، ومعلوم أنه لا يعبد إلا من كان كذلك لأنه لا يجوز لعاقل أن يشكر على النعمة إلا ربها.
الصافات :( ٩٧ - ١٠١ ) قالوا ابنوا له.....
) قَالُواْ ابْنُواْ لَهُ بُنْيَاناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ فَأَرَادُواْ بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الأَسْفَلِينَ وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينِ فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلاَمٍ حَلِيمٍ ( ( )
ولما كان السامع يعلم أنهم لا بد وأن لا يجيبوه بشيء، فتشوف إلى ذلك، أجيب بقوله :( قالوا ابنوا له ) أي لأجله ) بنياناً ) أي من الأحطاب حتى تصير كالجبل


الصفحة التالية
Icon