صفحة رقم ٣٣٣
وان الملك لقيها فبشرها بإسماعيل ولم يذكر في نسختي - وهي قديمة جداً - شيئاً يدل على رجوعها، وأما في نسخة عندهم فقال : إن الملك قال لها : ارجعي إلى سيدتك واستكدي تحت يدها - ولم يذكر أنها رجعت، وقد صح الخبر عندنا بقول نبينا ( ﷺ ) أن إبراهيم عليه السلام وضع هاجر وابنها إسماعيل عليه السلام، عند البيت الحرام وهو يرضع، واستمرا هناك إلى أن ماتت هاجر رضي الله عنها، وتزوج إسماعيل عليه السلام وبنى البيت مع أبيه عليهما السلام، وقوله ( لأن نسلك إنما يذكر بإسحاق عليه السلام ) غير مطابق للواقع، فإن شهرة العرب بإبراهيم عليه السلام أن لم تكم أن أكثر من شهرة بني إسحاق بذلك فهي مثلها، وخبر الله لا يتخلف، فدل هذا كله أنهم بدلوا القصة وحرفوها، فلا متمسك فيها لهم، ودلالتها على أن الذبيح إسماعيل عليه السلام أولى من دلالتها على غير ذلك لوصفه بالوحيد - والله أعلم كيف كانت القصة قبل التبديل ؟ ومما يدل على ما فهمت من تبديلهم لها ما قال البغوي : قال القرظي يعني محمد بن كعب - : سأل عمر بن عبد العزيز رجلاً كان من علماء اليهود أسلم وحسن إسلامه : أي ابني إبراهيم عليه السلام أمر بذبحه ؟ فقال : إسماعيل يا أمير المؤمنين إن اليهود لتعلم ذلك ولكنهم يحسدونكم معشر العرب على أن يكون أباكم الذي كان من أمر الله بذبحه ما كان، ويزعمون أنه أبوهم، ومن الدليل على أنه إسماعيل عليه السلام أن الله تعالى لما بشر بإسحاق بشر بأنه يولد له يعقوب، فلا يليق الامتحان به بعد علمه بأنه لا يموت حتى يولد له، ومن الدليل على ذلك أن قرني الكبش كانا منوطين بالكعبة في أيدي بني إسماعيل عيله السلام إلى أن احترق البيت واحترق القرنان في زمان ابن الزبير والحجاج، قال الشعبي : رأيت قرني الكبش منوطين بالكعبة، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : والذين نفسي بيده لقد كان أول الإسلام وإن رأس الكبش لمعلق بقرنيه في ميزات الكعبة، وقال الأصمعي : سألت أبا عمرو بن العلاء عن الذبيح : إسحاق كان أو إسماعيل ؟ فقال : يا أصميع أين ذهب عقلك ؟ متى كان إسحاق بمكة ؟ إنما كان إسماعيل بمكة وهو الذي بني البيت مع أبيه - انتهى ما قال البغوي.
وفي كتاب الحج من سنن أبي داود أن النبي ( ﷺ ) قال لعثمان - وهو الحجبي رضي الله عنه ( إني نسيت أن آمرك أن تخمر القرنين فإنه لا ينبغي أن يكون في البيت شيء يشغل المصلي ).
ورواه