صفحة رقم ٣٤٢
الصافات :( ١٤٣ - ١٤٨ ) فلولا أنه كان.....
) فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَآءِ وَهُوَ سَقِيمٌ وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ فَآمَنُواْ فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ ( ( )
ولما وقع ما وقع فتجرد عن نفسه وغيرها تجرداً لم يكن لأحد مثل مجموعه لا جرم، زاد في التجرد بالفناء في مقام الوحدانية فلازم التنزيه حتى أنجاه الله تعالى، وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى :( فلولا أنه كان ) أي خلقاً وخلقاً ) من المسبحين ) أي العريقين في هذا المقام، وهو ما يصح إطلاق التسبيح في اللغة عليه من التنزيه بالقلب واللسان والأركان بالصلاة وغيرها لأن خلقه مطابق لما هيئ له من خلقه، فهو لازم لذلك في وقت الرخاء والدعة والخفض والسعة، فكيف به في حال الشدة، وحمله ابن عباس رضي الله عنهما على الصلاة ) للبث في بطنه ) أي حياًّ أو بأن يكون غذاء له فتختلط أجزاؤه باجزائه ) إلى يوم يبعثون ) أي هو والحوت وغيرهما من الخلائق، وعبر بالجمع لإفادة عموم البعث، ولو أفرد لم يفد بعث الحيوانات العجم، ولو ثنى لظن أن ذلك له وللحوت خاصة لمعنى يخصها فلا يفيد بعث غيرهما، وقيل : للبث حيا في بطنه، وفي الآية إشارة إلى حديث ( تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة ) وحث على الذكر وتعظيم لشأنه.
ولما كان التقدير : ولكنه لما كان ذكاراً لله في حال الرخاء ذكرناه في حال الشدة، فأنجيناه من بطنه، وأخرجناه منه سالماً، وكان ذلك امراً باهراً للعقل، أبرزه في مظهر العظمة فقال :( فنبذناه ) أي ألقيناه من بطن الحوت إلقاء لم يكن لأحد غيره.
وكان ذلك علينا يسيراً ) بالعراء ) أي المكان القفر الواسع الخالي عن ساتر عن نبت أو غيره، وذلك بساحل الموصل، وقال أبو حيان : قذفه في نصيبين من ناحية الموصل :( وهو سقيم ) أي عليل مما ناله من جوف الحوت بحيث أنه كام كالطفل ساعة يولد وهو إذ ذاك محمود غير مذموم بنعمة الله التي تدراكته، فكان مجتبى ومن الصالحين ) وأنبتنا ) أي بعظمتنا في ذلك المكان لا مقتضى للنبات مطلقاً فيه فضلاً عما لا ينبت إلا بالماء الكثير.
ولما كان سقمه متناهياً بالغاً إلى حد يجل عن الوصف، نبه عليه بأداة الاستعلاء فقال :( عليه ) أي ورفعناها حال إنباتنا إياها فوقه لتظله كما يظل البيت الإنسان.
ولما كان الدباء عن النجم، وكان قد اعظمها سبحانه لأجله، عبر عنها بما له ساق فقال :( شجرة ( ولما كانت هذه العبارة مفهمة لأنها مما له ساق، نص على خرق العادة بقوله :( من يقطين ) أي من الأشجار التي تلزم الأرض وتقطن فيها وتصلح لأن