صفحة رقم ٣٤٥
أهل نينوى لله وفرضوا الصوم ولبسوا المسوح من عظمائهم حتى صغائرهم، وانتهت الكلمة إلى ملك نينوى فقام عن كرسيه ونزع تاجه، واكتسى مسح شعر، وجلس على الرماد، ونادى في نينوى وقال الملك وأشرافه : وكل الناس والغدائر والثيران والغنم فلا يذوقون شيئاً من الطعام ولا يرعون، وماء فلا يشربون، ولكن فليلبس الناس والغدائر ويدعو الله بالتضرع، ويرجع كل إنسان عن طريقة السوء، وعن الاختطاف الذي في يده، وقالوا : من ذا الذي يعلم أن الله يقبل منا ويترحم علينا ويرد عنا غصبه ورجزه لكيلا نهلك، ونظر الله إلى أعمالهم أنهم قد تابوا عن طرقهم السوء فرد عنهم غضب رجزه ولم يبدهم، وحزن يونان حزناً شديداً، وتكره من ذلك جداً، وصلى قدام الرب وقال : أيها الرب ألم تكن هذه كلمتي، وأنا بعد في بلادي ولذلك سبقت وفررت إلى ترسيس، قد عرفت بحق أنك الرحمن الإله الرؤوف، طويل صبرك وكثيرة نعمتك، وترد السوء الآن يا رب انزع نفسي مني لأن الموت أنفع لي في الحياة، فقال له : جداً حزنت يا يونان، وخرج يونان من المدينة واتخذ له ثمة مظلة وجلس تحتها في الظل لينظر ما الذي يعرض للمدينة، وأمر الله الرب أصل القرع، ونبت وارتفع على رأس يونان، فكان ظل على رأسه فتفرج من شدته وفرح فرحاً كثيراً يونان بأصل القرع.
وفي اليوم الآخر أمر الله الرب دودة في مطلع الصبح فضربت أصل القرع وقرضته، فلما طلعت الشمس أمر الله ريح السموم فيبست أصل القرع، وحميت الشمس في رأس يونان، واغتنم وسال الموت لنفسه وقال : إنك يا رب تقدر تنزع نفسي مني، لأني لم أكن أخبر من إياي، وقال الرب ليونان : جداً حزنت على أصل القرع، فقال يونان : جداًّ أحزن حتى الموت، قال له الرب : أنت أشفقت على أصل القرع الذي لم تعن به ولم تربه، الذي في ليلة نبت، وفي ليلة يبس، فكيف لا أشفق أنا على نينوى المدينة العظيمة التي فيها أكثر من اثنتي عشرة ربوة من الناس الذين لا يدرون ما بين يمنيهم من شمالهم وكثرة من الغدائر - انتهى.
ولعل أصل القرع المذكور هنا كان نبت عليه حين خرج من بطن الحوت، فلما اتفق له ما ذكر هنا رجع إليه وقد زاد عظمه فبنى تحته عريشاً وجلس تحته، فكان منه ما كان، فلا يكون حينئذ ما هنا مخالفاً لما ذكر أهل الأخبار في هذه القصة - والله الموفق.
الصافات :( ١٤٩ - ١٥٧ ) فاستفتهم ألربك البنات.....
) فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ أَمْ خَلَقْنَا الْمَلاَئِكَةَ إِنَاثاً وَهُمْ شَاهِدُونَ أَلاَ إِنَّهُم مِّنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ مَالَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُّبِينٌ فَأْتُواْ