صفحة رقم ٣٤٨
) اصطفى ( بهمزة الإنكاري، ومن أسقطها فهي عنده مقدرة مرادة، أي أخبروني هل اختار هذا السيد الذي أنتم مقرون بتمام عمله وشمول قدرته وعلو سؤدده ما تسترذلونه.
ولما كان التعبير بالبنت أكره إليهم من التعبير بالأنثى، والتعبير بالابن أحب إليهم من التعبير بالذكور وأنص على المراد لأن الذكر مشترك بين معان، قال :( البنات ( اللاتي تستنكفون أنتم من لحوقهن بكم، وتستحيون من نسبتهن إليكم، حتى أن بعضكم ليصل في إبعادهن إلى الوأد ) على البنين ( فكان حينئذ نظره لنفسه دون نظر أقلكم فضلاً عن أجلكم، ولذلك عظم حسناً وتناهى بلاغة قوله :( ما ) أي يا معاشر العرب المدعين لصحة العقول وسداد الأنظار والفهوم أي شيء ) لكم ( من الخير في هذا المقال ؟ ثم زاد في التقريع عليه بقوله معجباً منهم :( كيف تحكمون ) أي في كل سألناكم عنه بمثل هذه الأحكام التي لا تصدر عمن له أدنى مسكة من عقله، وعبر بالحكم لاشتهاوه فيما يبت فيأبى النقص، فكان التعبير به أعظم في تقريعهم حيث أطلقوه على ما لا أوهى منه.
ولما كان هذا شديد المنافاة للعقول، عظيم البعد عن الطباع، حسن جداً قوله أيضاً مبكتاً :( أفلا تذكرون ) أي أدنى تذكر بما أشارت إليه قراءة من خفف بما جمعت من التخفيف والحذف، فإن الأمر في غاية الظهور لما في عقولكم وطباعكم من أنكم لا ترضون لأنفسكم أخس المنازل، فكيف يختاره لنفسه ربكم الذي بيده كل شيء ؟ وإنه لا يكون الولد مطلقاً إلا ممن له جنس، فيكون محتاجاً إلى جنسه، والمحتاج لا يكون إلهاً بوجه، وأشارت مع دقة بما أشار إليه الإدغام لأجل حل شبهة من يرى أفعال من يحيي الموءودة فيظن أن ذلك رغبة منهم في الإناث، وليس ذلك إلا رغبة في دفع فساد القتل ورحمة للضعيف، ولم يقرأ بالفك إشارة إلى أن الأمر غني عن الدرجة العليا في التأمل.
ولما قررهم على شهود ذلك بما تضمن إبطاله عقلاً، فلم يبق من طرق الأدلة إلا السمع، عادل به قوله :( أم لكم ) أي على ادعاء ذلك ) سلطان ) أي دليل سمعي بخبر سماوي قاهر، وأشار إلى أنه لا يتكلم في أحوال الملوك إلا بأمر واضح بقوله :( مبين (.
ولما كان المراد هذا - ولا بد - البرهان السمعي، بينه بما سبب عنه من قوله :( فأتوا بكتابكم ) أي الذي أتاكم بذلك السلطان من الملك في أنه اختار لنفسه ذلك، ودل على كذبهم تلويحاً بعد أن أتى به تصريحاً وهو أنكى ما يكون بالإيتان بأداة الشك