صفحة رقم ٣٥٠
ولأجل أن هذه السورة سورة المتجردين عن علائق العوائق عن السير إليه، كرر وصف الإخلاص فيها كثيراً.
ولما نزه نفسه المقدس سبحانه عن كل نقص، دل على ذلك بأنهم وجميع ما يعبدونه من دونه لا يقدرون على شيء لم يقدره، فقال مسبباً عن التنزيه مؤكداً تكذيباً لمن يظن أن غير الله يملك شيئاً مواجهاً لهم بالخطاب لأنه أنكى وأجدر بالإغضاب :( فإنكم وما تعبدون ) أي من الأصنام وغيرها من كل من زعمتموه إلهاً.
وابتدأ الخبر عن ( أن ) فصدره بالنافي فقال :( ما ( وغلب المخاطبين المعبر عنهم بكاف الخطاب على من عطف عليهم وهم معبوادتهم تنبيهاً على أنهم عدم كما حقرهم بالتعبير عنهم بما دون ( من ) فقال مخاطباً :( أنتم عليه ) أي على الله خاصة ) بفاتنين ) أي بمغيرين أحداً من الناس بالإضلال ) إلا من هو ) أي في حكمة وتقديره ) صال الجحيم ) أي معذب بعذابه لحكمه عليه بالشقاوة فعلم أنكم لا تقدرون أن تغيروا عليه إلا من غيره هو فبحكمه ضل لا بكم، نعوذ بك منك، لا مهرب منك إلا إليك، والمراد بتقديم الجار أن غيره قد يقدر على أن يفسد عليه من لا يريد فساده ويعجز عن رد المفسد، فالتعبير بأداة الاستعلاء تهكم بهم بمعنى أنه ليس في أيديكم من الإضلال إلا هذا الذي جعله لكم من التسبب، فإن كان عندكم غلبة فسموه بها، وتوحيد الضمير على لفظ ( من ) في الموضعين للإشارة إلى أن الميت على الشرك بعد بعث النبي ( ﷺ ) من العرب قليل، وقرئ شاذاً ( صالوا ) دفعاً لظن أنه وتحد.
ولما كان من المعلوم أن هذا الاستفتاء من النبي ( ﷺ ) وقع امتثالاً المصدر به، وبطل بهذه الجملة قدرتهم وقدرة معبوداتهم التي يدعون لها بعض القدرة، قال مؤكداً لذلك ومبطلاً لقدرة المخلصين أيضاً عطفاً على ) فإنكم وما تعبدون ( :( وما منا ) أي نحن وأنتم ومعبوادتكم وغير ذلك، أحد ) إلا له مقام معلوم ( قد قدره الله تعالى في الأزل، ثم أعلم الملائكة بما أراد منه فلا يقدر أحد من الخلق على أن يتجاوز ما أقامه فيه سبحانه نوع مجاوزة، فلكل من الملائكة مقام معروف لا يتعداه، والأولياء لهم مقام مستور بينهم وبين الله لا يطلع عليه أحد، والأنبياء عليهم الصلاة والسلام لهم مقام مشهور مؤيد بالمعجزات الظاهرة، لأنهم للخلق قدوة، فأمرهم على الشهوة، وأمر الأولياء على السترة - قاله القشيري، وغير المذكورين من أهل السعادة لهم مقام في الشقاوة معلوم عند الله تعالى وعند من أطلعه عليه من عباده.
الصافات :( ١٦٥ - ١٧١ ) وإنا لنحن الصافون
) وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّآفُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ وَإِن كَانُواْ لَيَقُولُونَ لَوْ أَنَّ عِندَنَا ذِكْراً مِّنَ