صفحة رقم ٣٥٨
الأنبياء وحال المقربين الأصفياء ) وكلاًّ نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت يه فؤادك ( - انتهى.
ولما كان للعلم الذي أراد الله إظهاره في هذا الوجود طريقان : حال ومقال، فأما الحال فهو ما تنطق به أحوال الموجودات التي أبدعها سبحانه في هذا الكون من علوم يدرك منها من أراد الله ما أراد، وأما المقال فهو هذا الذكر الذي هو ترجمة عن جميع الوجود، وكان سبحانه قد قدم الذكر لأنه أبين وأظهر، وأخبر أنهم أعرضوا عنه وشاققوه، وكان من شاقق الملك استحق الهلاك، وكان ما أبدوه من المغالبة أمراً غائطاً للمؤمنين، أتبعه ما يصلح لتخويف الكافرين وترجية المؤمنين مما أفصح به لسان الحال من إهلاك المنذرين، وهو أبين ما يكون من دلالاته، وأظهر ما يوجد من آياته، فقال استئنافاً :( كم أهلكنا ( وكأن المنادين بما يذكر كانوا المهلكين، وكانوا أقرب المهلكين إليهم في الزمان، فأدخل الجار لذلك، فقال دالاً على ابتداء الإهلاك :( من قبلهم ( وأكد كثرتهم بقوله مميزاً :( من قرن ) أي كانوا في شقاق مثل شقاقهم، لأنهم كانوا في نهاية الصلابة والحدة والمنعة - بما دل عليه ( قرن ).
ولما تسبب عن مسهم بالعذاب دلهم قال جامعاً على معنى ( قرن ) لأنه أدل على عظمة الإهلاك :( فنادوا ) أي بما كان يقال لهم : أنه سبب للنجاة من الإيمان والتوبة، واستعانوا بمن ينقذهم، أو فعلوا النداء ذعراً ودهشة من غير قصد منادي، فيكون الفعل لازماً، وقال الكلبي : كانوا إذا قاتلوا فاضطروا تنادوا ( مناص ) أي عليكم بالفرار، فأجيبوا بأنه لا فرار لهم.
ولما قرر سبحانه في غير موضع أن التوبة لا تنفع إلا عند التمكن والاختيار لا عند الغلبة والاضطراب، قال تعالى مؤكداً لهذا المعنى في جملة حالية بزيادة التاء التي أصلها هاء في ( لا ) أو في ( حين ) كما أكدوا بزيادتها في رب وثم، والهاء في أراق والتاء في مثال والا فقالوا : ربت وثمت وأهراق وتمثال وتالان ) ولات ) أي وليس الحين ) حين مناص ) أي فراراً بتحرك بتقدم ولا تأخر، بحركة قوية ولا ضعيفة، فضلاً عن نجاة، قال ابن برجان : والنوص يعبر به تارة عن التقدم وتارة عن التأخر وهو كالجماح والنفار من الفرس، ونوص حمار رفعه رأسه كأنه نافر جامح.
ولما كان جعل المنذر منهم ليس محلاًّ للعجب فعدوه عجباً لما ظهر من تقسيمهم القول فيه، عجب منهم في قوله :( وعجبوا أن ) أي لأجل أن ) جاءهم ( ولما كان تعجبهم من مطلق نذارته لا مبالغته فيها أتى باسم الفاعل دون فعيل فقال :( منذر منهم ) أي من البشر ثم من العرب ثم من قريش ولم يكن من الملائكة مثلاً وكان ينبغي لهم أن لا يعجبوا من ذلك فإن كون النذير بما يحل من المصائب من القوم المنذرين - مع كونه