صفحة رقم ٣٦٨
سريعة يرضعها الفصيل لتدر قال في القاموس : أو ما بين فتح يدك وقبضها على الضرع، فالمعنى : ما لها من رجوع كما يرجع اللبن في الضرع عن الفواق وكما يرجع المريض بالإفاقة من المرض إلى الصحة، أو ما لها من انفصال وافتراق بقدر ما يتنفس فيه أحد أقل تنفس وأقصره زمناً كما هي عادة الأصوات المألوفة يكون فيها ترجيع يوجب في الصوت تقطعاً يصير به وقعه ضعيفاً فاتراً، واعتماده على مخرجه رخواً، بل هي صماء على نمط واحد لا تفجأ أحداً إلا مات إلا من ثبته الله تعالى، ويجوز أن يكون من فواق المختصر، أي أنه ليس فيها مقدمة للموت غير قرع الصوت، وهذا موافق لقولهم : ما لها من نظرة وراحة - والله أعلم.
ولما عجب منهم بما مضى، وأبطل شبههم وعرفهم أنهم قد عرضوا أنفسهم للهلاك تعريضاً قريباً، أتبع ذلك تعجيباً أشد من الأول فقال :( وقالوا ) أي استهزاء غير هائبين ما هددناهم به ولا ناظرين في عاقبته :( ربنا ) أي أيها المحسن إلينا ) عجل لنا ) أي إحساناً إلينا ) قطنا ) أي نصيباً من العذاب الذي توعدنا بع وكتابنا الذي كتبت فيه ذلك وأحصيت فيه أعمالنا، وأصله من قط الشيء - إذا قطعه، ومنه قط القلم، وأكثر استعماله في الكتاب.
ولما كان المراد بهذا المبالغة في الاستهزاء بطلب العذاب في جميع الأزمان التي بينهم وبين القيامة، أسقطوا، حرف الجر وقالوا :( قبل يوم الحساب ( فجعلوا جميع الزمان الذي بينهم وبينه ظرفاً لذلك، وجعلوا تعجيله من الإحسان إليهم دلالة على الإعراق في الاستهزاء، وعبر بالقط زيادة في التنبيه على ركوب الهوى من غير دليل فإن مادته دائرة في الأغلب على ما يكره، واشتقاقه من القط وهو القطع، فالقط النصيب والصك وكتاب المحاسبة لأنه قطعه من الورق، وتقطقط الرجل : ركب رأسه أي تبع هواه الذي هو قطعة من أمره، وجاءت الخيل قطاقط أي قطعاً وجماعات في تفرقة، والقط : القطع، والقطط : القصير الجعد، والطقطقة : حكاية صوت الحجارة، فكأنهم قالوا : عجل من ذلك ما يكون مقطوعاً به لا شك فيه ويسمع صوته على غاية الشدة فيهلك ويفرق بين الأحباب ويكتب في كل صك، ويتلى خبره في سائر الأحقاب، فإن ذلك هو أنا لا نرجع عنه لشيء أصلاً، فسبحان الحليم الذي أكرمنا ورحمنا بنبي الرحمة، فلم يعجل لنا النقمة، وأقبل بقلوبنا إليه، وقصر هممنا بعد أن كانت في أشد بعد عليه. ولما بلغ السيل في ركوبهم الباطل عناداً - الزبى، وتجاوز في طغيانه رؤوس الربى، وكان سؤالهم في تعجيل العذاب استهزاء مع ما قدموا من الإكذاب، والكلام البعيد عن


الصفحة التالية
Icon