صفحة رقم ٣٧٠
الأنف، ثم قيد بقوله :( معه ) أي مصاحبة له فلم يوجد ذلك التسخير ظاهراً لأحد بعده ولا قبله، ولما كان وجود التسبيح من الجبال شيئاً فشيئاً أعجب لأنها جماد، عبر بالفعل المضارع، فقال مصوراً لتلك الحال معبراً بضمير الإناث إشارة إلى أنها بعد ما لها من الصلابة صارت في غاية اللين والرخاوة، يسبح كل جبل منها بصوت غير مشبه بصوت الآخر، لأن ذلك أقرب إلى التمييز والعلم بتسبيح بصوت واحد ليشكل الأمر في بعضها، وهو يمكن أن يكون استئنافاً وأن يكون حالاً بمعنى أنهن ينقدن له بالتسبيح قالاً وحالاً انقياد المختار المطيع لله.
ولما كان في سياق الأوبة، وكان آخر النهار وقت الرجوع لكل ذي إلف إلى مألفه مع أنه وقت الفتور والاستراحة من المتاعب قال :( بالعشي ) أي تقوية للعامل وتذكيراً للغافل.
ولما كان في سياق الفيض والتشريف بالقرآن قال :( والإشراق ) أي في وقت ارتفاع الشمس عن انتشاب الناس في الأشغال، واشتغالهم بالمآكل والملاذ من الأقوال والأفعال، تذكيراً لهم وترجيعاً عن مألوفاتهم إلى تقديس ربهم سبحانه، وليس الإشراق طلوع الشمس، إنما هو صفاؤها وضوءها، وشروقها طلوعها، وروت أم هانئ رضي الله عنها أن النبي ( ﷺ ) صلى في بيتها الضحى وقال لها ( هذه صلاة الإشراق ) وفي الجامع لعبد الرزاق أن ابن عباس رضي الله عنهما قال : صلاة الضحى في القرآن، ولكن لا يغوص عليها إلا غائص، ثم قرأ هذه الاية.
وإليها الإشارة ايضاً - والله أعلم - بصلاة الأوابين ) واذكر عبدنا داود ذا الأيد أنه أواب ( ) ووهبنا لداود سليمان نعم العبد أنه أواب ( ) يا جبال أوبي معه ( ) والطير محشورة كل له أواب ( روى مسلم في صحيحه وعبد بن حميد في مسنده والدارمي في جامعه المسمى بالمسند عن زيد بن أرقم رضي الله عنه أن النبي ( ﷺ ) قال ( صلاة الأوابين حين ترمض الفصال ) ولفظ الدارمي أن النبي ( ﷺ ) خرج عليهم وهو يصلون بعد طلوع الشمس فقال : صلاة الأوابين إذا رمضت الفصال، ولفظ عبد أن النبي ( ﷺ ) أتاهم في مسجد قباء فرآهم يصلون الضحى فقال ( هذه صلاة الأوابين وكانوا يصلونها إذا رمضت الفصال ).
أي بركت من شدة الحر وإحراقه


الصفحة التالية
Icon