صفحة رقم ٣٧٦
وقال : إن كانت القصة على ما في كتاب الله عز وجل فما ينبغي أن يلتمس خلافها، وأعظم بأن يقال غير ذلك، وإن كانت على ما ذكرت وكف الله عنها ستراً على نبيه ( ﷺ ) فما ينبغي إظهارها عليه، فقال عمر بن عبد العزيز : لسماعي هذا الكلام أحب إليّ مما طلعت عليه الشمس.
وتلك القصة وأمثالها من كذب اليهود، وأخبرني بعض من أسلم منهم أنهم يتعمدون ذلك في حق داود عليه السلام لأن عيسى عليه السلام من ذريته ليجدوا السبيل إلى الطعن فيه.
ولما ظن هذا، سبب له تحقيق ما وصفه الله من الأوبة فعبر عن ذلك بقوله :( فاستغفر ( ولما استغرقته العظمة التي هذا مخرها، رجع إلى ذكر الإحسان واللطف فقال :( ربه ) أي طلب الغفران من مولاه الذي أحسن إليه بإحلاله ذلك المحل العظيم من أن يعود للحكم للأول بدون أن يسمع الآخر ) وخر ) أي سقط من قيامه توبة لربه عن ذلك، ولما كان الخرور قد يكون لغير العبادة قال :( راكعاً ) أي ساجداً لأن الخرور لا يكون إلا للسقوط على الأرض، ولأن النبي ( ﷺ ) فسره بالسجود فيما روى النسائي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي ( ﷺ ) سجد في ( ص ) وقال ( سجدها داود توبة ونسجدها شكراً ).
وعين بالركوع عن السجود ليفهم أنه كان عن قيام وأنه في غاية السرعة لقوة الاهتمام به وتوفر الداعي إليه بحيث أنه وصل إلى السجود في مقدار ما يصل غيره إلى الركوع، قال ابن التياني في كتابه الموعب : وكل شيء يكب لوجهه فتمس ركبته الأرض بعد أن يطأطئ رأسه فهو راكع.
ابن دريد : الراكع الذي يكبو على وجهه - انتهى.
والركعة - بالضم : الهوة من الأرض، كأنها سميت بذلك لأنها تسقط فيها على الوجه، وكأنها هي أصل المادة، وقال في القاموس : ركع أي صلى، فحينئذ يكون المعنى : سقط مصلياً، ومعلوم أن صلاتهم لا ركوع فيها وقد تقدم ذلك في آل عمران والبقرة ) وأناب ) أي تاب أي رجع عن أن يعود لمثلها.
ولما كان الحال قد يشكل في الإخبار عم المغفرة لو عبر بضمير الغائب لإيهام أن ربه غير المتكلم، وكان الغفران لا يحسن إلا مع القدرة، عاد إلى مظهر العظمة إثباتاً للكمال ونفياً للنقص : فقال :( فغفرنا ) أي بسبب ذلك وفي أثره على عظمتنا وتمام قدرتنا غفراً يناسب مقداره ما لنا من العظمة ) له ذلك ) أي الوقوع في الحديث عن إسناد الظلم إلى أحد بدون سماع لكلامه، وكان النبي ( ﷺ ) اشترط على ربه سبحانه لأجل هذه القصة أن كل من سبه أو دعا عليه وليس أهلاً لذلك أن يكون ذلك له صلاة وبركة ورحمة، والحاصل أن هذه