صفحة رقم ٣٨١
أم نجعل المصلحين في الأرض ) كالمفسدين ) أي المطبوعين على الفساد الراسخين فيه ) في الأرض ) أي بالكفر وغيره، والتسوية بينهم لا يشك عاقل في أنها سفه ) أم نجعل ( على ما لنا من العز والمنعة الذين اتقوا كالذين فجروا أم نصيّر ) المتقين ) أي الراسخين من المؤمنين في التقوى الموجبة للتوقف عن كل ما لم يدل عليه دليل ) كالفجار ) أي الخارجين من غير توقف عن دائرة التقوى من هؤلاء الذين كفروا أو من غيرهم في أن كلاًّ من المذكورين يعيش على ما أدى إليه الحال في الدنيا، وفي الأغلب يكون عيش الطالح أرفع من عيش الصالح، ثم يموت ولا يكون شيء بعد ذلك، ولا شك أن المساواة بين المصلح والمفسد والمتقي والمارق لا يراها حكيم ولا غيره من سائر أنواع العقلاء فهو لا يفعلها سبحانه وإن كان له أن يفعل ذلك، فإنه لا يجب عليه شيء ولا يقبح منه شيء، وقد علم أن الآية من الاحتباك، وأنه مشير إلى احتباك آخر، فإنه ذكر ) الذين أمنوا ( أولاً دليلاً على ) الذين أفسدوا ( ثانياً، وذكر ) المفسدين ( ثانياً دليلاً ) على المؤمنين ( أولاً، وأفهم ذلك ذكر ) الذين اتقوا ( وأضداهم وسر ما ذكر وما حذف أنه ذكر أدنى أسنان الإيمان تنبيهاً على شرفه وأنه سبب السعادة وإن كان على أدنى الوجوه وذكر أعلى على أحوال الفساد، إشارة إلى أنه يغفر ما دون ذلك لمن يشاء وذكر أعلى أحوال التقوى إيماء إلى أنه لا يوصف بها ويستحق جزاءها إلا الراسخ فيها ترغيباً للمؤمن في أن يترقى إلى أوجها.
ولما ثبت بما ذكر من أول السورة إلى هنا ما ذكر في هذا الذكر من البراهين التي لا يأبها إلا مدخول الفكر مخالط العقل، ثبت أنه ذو الذكر والشرف الأعظم فقال تعالى منبهاً على ذلك تنبيهاً على أنه القانون الذي يعرف به الصلاح ليتبع والفساد ليتجنب مخبراً على مبتدأ تقديره هو :( كتاب ) أي له من العظمة ما لا يحاط به، ووصفه بقوله :( أنزلته ) أي بما من العظمة ) إليك ( وذلك من عظمته لأنك اعظم الخلق، ثم أخبر عن مبتدأ آخر مبين لما قبله على طريق الاستئناف فقال :( مبارك ) أي دائم الخير كثير النفع ثابت كل ما فيه ثباتاً لا يزول أبداً ولا ينسخ كتاب ولا شيء.
ولما ذكر ما له من العظمة إشارة وعبارة، ذكر غاية إنزاله المأمور بها فقال :( ليدبروا ( بالفوقانية وتخفيف الدال بالخطاب في قراءة أبي جعفر مشرفاً للأمة بضمهم بالخطاب إلى حضرته الشماء ( ﷺ )، ولافتاً للقول في قراءة الجماعة بالغيب وتشديد الدال إلى من يحتاج إلى التنبيه على العلل، لما له من الشواغل الموقعة في الخلل، وأما هو ( ﷺ ) ففي غاية الإتعام للنظر، والتدبر بأجلى الفكر، من حين الإنزال، لعلمه الإنزال بحيث إنه من شدة إتعابه لنفسه الشريفة بالتخفيف وضمن له تعالى جمعه وقرآنه