صفحة رقم ٣٨٤
ولما كان بيان ضخامة ملكه زكثرة هيبته وعزته مع زيادة أوبته لتحصل التأسية به في حسن ائتماره وانتهائه والتسلية بابتلائه مع ذلك من شرفه وبهائه، أشار إلى كثرة الخيل جداً وزيادة محبته له وسرعة أوبته بقوله :( فقال ( ولما كان اللائق بحاله والمعروف من فعاله أنه لا يؤثر على ذكر الله شيئاً فلا يكاد أحد ممن شاهد ذلك يظن به ذلك بل يوجهون له في ذلك وجوهاً ويحملونه على محامل تليق بما يعرفونه من حال من الإقبال على الله والغنا عما سواه، أكد قوله تواضعاً لله تعالى ليعتقدوا أنه بشر يجوز عليه ما يجوز عليهم لولا عصمة الله :( إني ( ولما كان الحب أمراً باطناً لا يظهر في شيء إلا بكثرة الاشتغال به، وكان الاشتغال قد يكون لغير الحب أمراً باطناً لا يظهر في شيء إلا بقرائن قال اعترافاً :( أحببت ) أي أوجدت وأظهرت بما ظهر مني من الاشتغال بالخيل مقروناً ذلك بأدلة الود ) حب الخير ( وهو المال بل خلاصة المال وسبب كل خير دنيوي وأخروي ( الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة ) أظهرت ذلك بغاية الرغبة غافلاً ) عن ذكر ربي ( المحسن إليّ بهذه الخيل التي شغلتني وغيرها، فلم أذكره بالصلاة التي كانت وظيفة الوقت وإن كان غرضي لما لكونه في طاعته ذكراً له.
ولم يزل ذلك بي ) حتى توارت ) أي الشمس المفهومة من ( العشي ) ) بالحجاب ( وهي الأرض التي حالت بيننا وبينها فصارت وراءها حقيقة.
ولما اشتد تشوف السامع إلى الفعل الذي أوجب له الوصف بأواب بعد سماع قوله في لومه نفسه ليجمع بين معرفة القول والفعل، أجيب بقوله :( ردها ) أي قال سليمان عليه السلام : ردوا ) عليّ ( الخيول التي شغلتني.
ولما كان التقدير : فردوها عليه، نسق به قوله :( فطفق ) أي أخذ يفعل ظافراً بمراده لازماً له مصمماً عليه وأصلاً له معتمداً على الله يف التقوية على العدو لا على الأسباب التي من أعظمها الخيل مفارقاً ما كان سبب ذهوله عن الذكر معرضاً عما يمكن أن يتعلق به القلب متقرباً به إلى الله تعالى كما يقترب في هذه الملة بالضحايا ) مسحاً ) أي يوقع المسح - أي القطع - فيها بالسيف إيقاعاً عظيماً.
ولما كان السيف إنما يقع في جزء يسير من العضوين أدخل الباء فقال :( بالسوق ) أي منها ) والأعناق ( يضربها ضرباً بسيف ماض وساعد شديد وصنع سديد فيها من غير وقفة أصلاً حتى كأنه يمسحه على ظاهر جلودها كما يقال : مسح علاوته، أي ضرب عنقه - والله أعلم.


الصفحة التالية
Icon