صفحة رقم ٣٨٩
وقرئ بضم الصاد أيضاً وقرئ بالتحريك كالرُشد والرّشد، وكان ذلك إشارة إلى أحوال الضر في الشدة والخفة فالمسكن أدناه، والمحرك أوسطه، والمثقل الضم أعلاه ) عذاب ) أي نكد قوي دائم مانع من كل ما يلذ، ويمكن أن يساغ ويستطعم أجمله، ونكره تنكير لتعظيم استغنائه على وجازته عن جمل طوال ودعاء عريض إعلاماً بأن السيل قد بلغ الزبى، وأوهن البلاء القوي، ولم يذكره بلفظ إبليس الذي هو من معنى اليأس وانقطاع الرجاء دلالة على أنه هو راج فضل الله غير آيس من روحه، وذلك أن الله تعالى سلطه على إهلاك أهله وولده وماله فصبر ثم سلطه على بدنه إلى أن سقط لحمه واستمر على ذلك مدداً طوالاً، فلذلك ثم تراءى لزوجته رضي الله عنها في زي طبيب وقال لها : أنا أداويه ولا أريد أن يقول لي، إذت عوفي أنت شفيتني، وقيل : قال لها : لو سجد لي سجدة واحدة شفيته، فأتته وحدثته بذلك فأخبرها وعرفها أنه الشيطان، وحذرها منه وخاف غائله عليها، فدعا الله بما تقدم وشدد النكير والتعظيم لما وسوس لها به بأن حلف ليضربها مائة ضربة، ردعاً لها عن الإصغاء إلى شيء من ذلك، وتهويناً لما يلقاه من بلائه في جنبه.
ص :( ٤٢ - ٤٥ ) اركض برجلك هذا.....
) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَى لأُوْلِي الأَلْبَابِ وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِب بِّهِ وَلاَ تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِّعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ وَاذْكُرْ عِبَادَنَآ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الأَيْدِي وَالأَبْصَارِ ( ( )
ولما تشوف السامع إلى جوابه عن ذلك، استأنف قوله :( اركض ) أي قلنا له : اضرب الأرض وأوجد الركض وهو المشي والتحريك والإسراع والاستحثاث ) برجلك ( يخرج منها ماء نافع حسن لتغتسل فيه وتشرب منه ففعل فأنبعنا له عيناً، فقيل له :( هذا ( بإشارة القريب إشارة إلى تسهله ) مغتسل ) أي ماء يغتسل به وموضعه وزمانه ) بارد ) أي يبرد حر الظاهر ) وشراب ( يبرد حر الباطن.
ولما كان التقدير : ففعل اغتسل فبرأ ظاهره وسر باطنه، عطف عليه قوله صارفاً القول إلى مظهر الجلال تنبيهاً على عظمة الفعل :( ووهبنا ) أي بما لنا من العظمة ) له أهله ) أي الذين كان الشيطان سلط عليهم بأن أحييناهم، وجمع اعتباراً بالمعنى لأنه أفخم وأقرب إلى فهم المراد فقال :( ومثلهم ( وأعلم باجتماع الكل في آنٍ واحد فقال :( معهم ( جددناهم له وليعلم من يسمع ذلك أنه لا عبرة بشسء من الدنيا وأنها وكل ما فيها عرض زائل لا ثبات له اصلاً إلا ما كان لنا، فإنه من الباقيات الصالحات، فلا يغير أحد بشيء منها ولا يشتغل عنا أصلاً، ويعلم من هذا من صدقه القدروة على البعث بمجرد تصديقه له ومن توقف فيه سأل أهل الكتاب فعلم ذلك