صفحة رقم ٣٩١
ولما كان الصبر والأفعال المرضية عزيزة في العباد لا تكاد توجد فلا يكاد يصدق بها، علل سبحانه هذا الإكرام له ( ﷺ ) وأكده، فقال على سبيل الاستنتاج مما تقدم رداً على من يظن أن الشكوى إليه تنافي الصبر، وإشارة إلى أن السر في التذكير به التأسي في الصبر :( إنا ) أي على ما لنا من العظمة ) وجدناه ) أي في عالم الشهادة طبق ما كان لنا في عالم الغيب ليتجدد للناس من العلم بذلك ما كنا به عالمين، ولما كان السياق للحث على مطلق الصبر في قوله
٧٧ ( ) واصبر على ما يقولون ( ) ٧
[ المزمل : ١٠ ] أتى باسم الفاعل مجرداً على مبالغة فقال :( صابراُ ( ثم استأنف قوله :( نعم العبد ( ثم علل بقوله مؤكداً لئلا يظن أن بلاءه قادح في ذلك :( إنه أواب ) أي رجاع بكليته إلى الله سبحانه على خلاف ما يدعو إليه طبع البشر، قال الرازي في اللوامع : قال ابن عطاء : واقف معنا بحسن الأدب لا يغيره دوام النعمة، ولا يزعجه تواتر البلاء والمحنة، روى عبد بن حميد في مسنده عن أبي سعيد رضي الله عنه قال : وضع رجل يده على النبي ( ﷺ ) فقال : والله ما أطيق أن أضع يدي عليك من شدة حماك، فقال النبي ( ﷺ ) ( إنا معشر الأنبياء يضاعف لنا البلاء كما يضاعف لنا الأجر، إن كان النبي من الأنبياء ليبتلي بالقمل حتى يقتله وإن كان النبي من الأنبياء ليبتلي بالفقر حتى يأخذ العباة فيحويها وإن كانوا ليفرحون بالبلاء كما يفرحون بالرخاء ).
ولما ذكر سبحانه من ابتلاه في بدنه وماله وولده ثم جعل له الماء برداً وسلاماً وعافية ونظاماً وشفاء وقواماً، عطف عليه من ابتلاه بالنار على أيدي الجبابرة فجعلها عليه برداً وسلاماً باعتماده عليه وصبره لديه، ونجاه من كيدهم، وجعل أيده بمفرده فوق أيدهم، قم ابتلاه بالهجرة لوطنه وأهله وعشيرته وسكنه، ثم بذبح ابنه، فصبر على ذلك كله، اعتماداً على فضل الله ومنّة فقال :( واذكر عبدنا ( بالتوحيد في رواية ابن كثير للجنس أو لإبراهيم وحده عليه السلام لأنه أصل من عطف عليه ديناً وأبوة، فبين الله أساس عطفه عليه في المدح بالعبودية أيضاً، ثم بين المراد بقوله :( إبراهيم ( وعطف على العبد لا على مبينه لئلا يلزم بيان واحد بجماعة إذا أريد به إبراهيم وحده لا الجنس ابنه لصبره على دينه في الغربة بين عباد الأوثان ومباعدي الإيمان، فلم يلفت لفتهم ولا داناهم، بل أرسل إلى أقاربه في بلاد الشرق، فتزوج منه من وافقته على دينه الحق، واستمر على إخلاص العبادة لا يأخذه في الله لومة لائم إلى أن مضى لسبيله فقال :( وإسحاق ( ثم أتبعه ولده الذي قفا أثره، وصبر صبره، وابتلى ولده، وبهجة كبده،