صفحة رقم ٣٩٨
سِخْرِيّاً أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الأَبْصَرُ إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ ) ٧٣
( ) ٧١
ولما كان من المعلوم على ما جرت به العوائد أنهم يتأثرون من هذا القول فيحصل التشوق إلى ما يكون من أمرهم هل يجيبونهم أم تمنعهم هيبتهم على ما كانوا في الدنيا، اعلم بما يعلم منه انقطاع الأسباب هناك، فلا يكون من أحد منهم خوف من آخر، فقال مستأنفاً :( قالوا ) أي الأتباع المعبر عنهم بالفوج لسفولهم وبطون أمرهم :( بل أنتم ) أي خاصة أيها الرؤساء ) لا مرحباً ( وبينوا بقولهم :( بكم ) أي هذا الذي دعوتم به علينا أنتم أحق به منا، ثم عللوا قولهم بما أفهم أنهم شاركوهم في الضلال وزادوا عليهم بالإضلال فقالوا :( أنتم ) أي خاصة ) قدمتموه ) أي الاقتحام في العذاب بما أقحتمتونا فيه من أسبابه وقدمتم في دار الغرور من تزيينه ) لنا ( ولما كان الاقتحام وهو الوثوب أو الدخول على شيء بسرعة كأنها الوثوب ينتهي من إلى استقرارا، وكان الفريقان قد استقروا في مقاعدهم في النار، سببوا عن ذلك قولهم :( فبئس القرار ) أي قراركم.
ولما كان قول الأتباع هذا مفهماً لأنهم علموا أن سبب ما وصلوا إليه من الشقاء هو الرؤساء، وكان هذا موجباً لنهاية غيظهم منهم، تشوف السامع لما يكون من أمرهم معهم ؟ هل يكتفون بما أجابوهم به أو يكون أمنهم شيء آخر ؟ فاستانف قوله إعلاماً بأنهم لم يكتفوا بذلك وعلموا أنهم لا يقدرون على الانتقام منهم :( قالوا ) أي الأتباع :( ربنا ) أي أيها المحسن إلينا الذي منعنا هؤلاء عن الشكر له ) من قدم لنا هذا ) أي العذاب بما قدم لنا من الأسباب التي اقتحمناه، وقدموا ذلك اهتماماً به وأجابوا الشرط بقولهم :( فزده ) أي على العذاب الذي استحقه بما استحققنا به نحن وهو الضلال ) عذاباً ضعفاً ) أي زائداً على ذلك مثله مرة أخرى بالإضلال، وقيدوه طلباً لفخامته بقولهم معبرين بالظرف لإفهام الضيق الذي تقدم الدعاء المجاب فيه به ليكون عذاباً آخر فهو أبلغ في الأعراف لأن السياق هنا للطاغين وهناك الكافرين ) في النار ) أي كائناً فيها، وهذا مثل الآية الأخرى ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيراً أي مثل عذابنا مرتين.
ولما ذكر من اقتحامهم في العذاب وتقاولهم بما دل على خزيهم وحسرتهم وحزنهم، أعلم بما دل على زيادة خسرانهم وحسرتهم وهوانهم بمعرفتهم بنجاة المؤمنين الذين كانوا يهزؤون بهم ويذلونهم فقال :( وقالوا ) أي الفريقان : الرؤساء والأتباع بعد أن قضوا وطرهم مما لم يغن عنهم شيئاً من تخاصمهم :( ما ) أي أيّ شيء حصل ) لنا ( مانعاً في أنا ) لا نرى ) أي في المحل الذي أدخلناه ) رجالاً ( يعنون فقراء