صفحة رقم ٤٠٧
كان تدبيجه في السؤال قد أفهم تجاهله بما هو أعلم الخلق به من تحتم الموت لكل من لم يكن في دار الخلد الذي أبلغ الله تعالى في الإعلام به، قال :( المعلوم ( وهو الصعقة الأولى وما يتبعها.
ولما كانت هذه الإجابة سبباً لأن يخضع وينيب شكراً عليها، وأن يطغى ويتمرد ويخيب لأنها تسليط، وتهيئة للشر، فاستشرف السامع إلى معرفة ما يكون من هذين المسببين، عرف أنه منعه الخذلان من اختيار الإحسان بقوله :( قال فبعزتك ) أي التي أبت أن يكون لغيرك فعل لا بغير ذلك، ويجوز أن تكون الباء للقسم ) لأغوينهم ) أي ذرية آدم عليه السلام ) أجمعين ( قال القشيري : ولو عرف عزته لما أقسم بها على مخالفته.
ولما كان عالماً بأن القادر ما خلق آدم عليه السلام وشرفه بما شرفه به ليشقي ذريته كلهم قال :( إلا عبادك ( فأضافهم إليه سبحانه تنبيهاً على أن غيرهم قد انسلخوا من التشرف بعبوديته بالنسبة إلى من أطاعوه.
ولما كان يمكن أن يكون المستثنى، من غير البشر قيد قوله :( منهم المخلصين ) أي الذين أخلصهم الله تعالى لطاعته فأخلصوا قصدهم لها، وعرف من الاستثناء أنهم قليل وأن الغواة هم الأصل.
ولما حصل التشوف إلى جوابه، دل عليه بقوله :( قال فالحق ) أي فبسبب إغوائك وغوايتهم أقول الحق ) والحق ) أي لا غير أبداً ) أقول ) أي لا أقول إلا الحق، فإن كل شيء قلته ثبت، فلم يقدر أحد على نقضه ولا نقصه.
ولما كانت إجابته بالإنظار ربما كانت سبباً لطعمه في الخلاص، قطع رجاءه بما أبرزه في أسلوب التأكيد من قوله جواباً لقسم مقدر وبياناً للحق، وفي قراءة عاصم وحمزة برفع ) فالحق ( يكون هو المقسم به أي فالحق قسمي، والجواب ) لأملأن ( وما بينهما اعتراض مبين أن هذا مما لا يخلف اصلاً ) جهنم ) أي النار العظيمة التي من شأنها تجهم من حكم بدخوله إياها ) منك ) أي نفسك وكل من كان على شاكلتك من جنسك من جميع الجن ) وممن (.
ولما كان الأغلب على سياقات هذه السورة العاقبة، كان توحيد الضمير في ) تبع ( أولى، وليفهم الحكم على كل فرد ثم الحكم على المجموع فقال :( تبعك ( ولما كان ربما قال متعنت : إن المالئ لجهنم من غير البشر قال :( منهم ) أي الناس الذين طلبت الإمهال لأجلهم، وأكد ضمير ) منك ( والموصول في ) ممن ( بقوله :( أجمعين ( لا تفاوت في ذلك بين أحد منكم، وهذا الخصام الذي بين سبحانه أنه كان بين بين الملأ الأعلى كان سبباً لهم إلى انكشاف علوم كثيرة منها أن السجود والتحيات