صفحة رقم ٤٣٣
التنور أعلاه ضيق وأسفله، توقد تحته نار، فإذا فيه رجال ونساء عراة فيأتيهم اللهيب من تحتهم فإذا اقترب ارتفعوا حتى كادوا يخرجون فإذا خمدت رجعوا فذكره ) وهو طويل عظيم، ثم فسرهم بالزناة.
ولما كان هذا أمراً مهولاً، وهو لا يرهبونه ولا يرجعون عن غيّهم به، ذكر فائدته مع الزيادة في تعظيمه فقال :( ذلك ) أي الأمر العظيم الشأن ) يخوف الله ) أي الملك الأعظم الذي صفاته الجبروت والكبر ) به عباده ) أي الذين لهم أقلية الإقبال عليه ليزدادوا إيماناً فيعيذهم منه.
ولما أهلهم للإضافة إليه وخوفهم سطواته، أقبل عليهم عند تهيئتهم للاستماع منبهاً على أنه تخويف استعطاف فقال :( يا عباد فائقون ) أي سببوا عن ذلك أن تجعلوا بينكم وبين ما يسخطني وقاية مما يرضيني لأرضى عنكم.
ولما ذكر ما لمن عبد الطاغوت، عطف عليه أضدادهم ليقترن الوعد بالوعيد، فيحصل كمال الترغيب والترهيب فقال :( والذين اجتنبوا ) أي كلفوا أنفسهم ذلك لما لها في الانسياق إليه من الهوى مع تزيين الشيطان ( حفت النار بالشهوات ) ولما كان للإجمال ثم البيان موقع عظيم، قال :( الطاغوت ( وهو كل ما عبد من دون الله، فلغوت من الطغيان وهو صيغة مبالغة، وفيه مبالغة أخرى بجعل الذات عين المعنى، ودل على عكس من تبعها بتعكيس حروفها، ولما ذكر اجتنابها مطلقاً ترغيباً فيه، بين خلاصة ما يجتنب لأجله مع التنفير منها بتأنيثها الذي أبصره المنيبون بتقوية الله لهم عليها حتى كانوا ذكراناً وهو إناثاً عكس ما تقدم للكفار في البقرة، فقال مبدلاً منها يدل اشتمال :( أن يعبدوها (.
ولما ذكر اجتناب الشرك، أتبعه التزام التوحيد فقال :( وأنابوا ) أي رجعوا رجوعاً عظيماً أزالوا فيه النوبة وجعلوها إقبالة واحدة لا صرف فيها ) إلى الله ) أي المحيط بصفات الكمال فلا معدل عنه ) لهم البشرى ( في الدنيا على ألسنة الرسل وعند الموت تتلقاهم الملائكة فقد ربحوا ربحاً لا خسارة معه لأنهم انتفعوا بكلام الله فأخلصوا دينهم له فبشرهم - هكذا كان الأصل، ولكنه أظهر تعميماً وتعليقاً بالوصف فقال مسبباً عن عملهم، صارفاً القول إلى التكلم بالإفراد تشريفاً للمبشرين الموصوفين :( فبشر عباد ) أي الذين أهلوا أنفسهم بقصر هممهم عليّ للإضافة إليّ ) الذين يستمعون ) أي بجميع قلوبهم ) القول ) أي هذا الجنس من كل قائل ليسوا جفاة عساة إذا أقبلوا على شيء


الصفحة التالية
Icon