صفحة رقم ٤٣٩
ويزداد حلاوة ولو أثنى آناء الليل وأطراف النهار، فقال :( تقشعر ) أي تهتز وتتجمع وتتقبض تقبضاً شديداً، من القشع وهو الأدسم اليابس، وزيد حرفاً لزيادة المعنى، واختير حرف التكرير إشارة إلى المبالغة فيه، وكونه حرف التطوير أشد للمناشبة ) منه جلود ) أي ظواهر أجسام ) الذين يخشون ) أي يخافون خوفاً شديداً ويلتذون لذة توجب إجلالاً وهيبة، فيكون ذلك سبب ذلك، وزاد في مدحهم بأنهم يخافون المحسن، فهم عند ذكر أوصاف الجلال أشد خوفاً، فلذلك لفت القول إلى وصف الإحسان فقال :( ربهم ) أي المربي لهم والمحسن إليهم لاهتزاز قلوبهم، روى الطبراني عن العباس رضي الله عنه أن النبي ( ﷺ ) قال ( إذا اقشعر جلد العبد من خشية الله تحاتت خطاياه ) وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه مر برجل من أهل العراق ساقط، قال : فما بال هذا ؟ قال : إنه إذا قرئ عليه القرآن وسمع ذكر الله سقط، قال ابن عمر رضي الله عنهما : إنا لنخشى الله وما نسقط وإن الشيطان ليدخل في جوف أحدهم، ما كان هذا صنيع أصحاب رسول الله ( ﷺ )، ) ثم تلين ) أي تمتد وتنعم، وقدم ما صرح فيه بالاقشعرار الذي يلزمه البيس، وأخر القلوب إبعاداً لها عما قد يفهم يبساً فيوهم قسوة فقال :( جلودهم ( لتراجعهم بعد برهة إلى الرجاء ةإن اشتدت صلابتها ) وقلوبهم ( وذكره الخشية لا تكون إلا في القلب، وكان سر حذف التصريح بذلك تنزيهاً عن ذكر ما قد يفهم القسوة.
ولما كان القلب شديد الاضطراب والتقلب، دل على حفظه له بنافذ أمره وباهر عظمته بالتعدية ب ( إلى ) ليكون المعنى : ساكنة مطمئنة ) إلى ذكر الله ) أي ذي الجلال والأكرام، فإن الأصل في ذكره الرجاء لأن رحمته سبقت غضبه، وأظهر موضع الإضمار لأحسن الحديث لئلا يوهم أن الضمير للرب، فيكون شبهة لأهل الاتحاد أو غيرهم من أرباب البدع، ولم يقل : إلى الحديث أو الكتاب - مثلاً، بل عدل إلى ما عرف أنه ذكره سبحانه ليكون أفخم لشأنه، وزاده فخامة بصرف القول المقتضي للإحسان إلى الاسم الجامع للجلال والإكرام.
ولما كان ما ذكر من الآثار عجباً، دل على عظمته بقوله على طريق الاستنتاج :( ذلك ) أي الأمر العظيم الغريب من الحديث المنزل والقبض والبسط ) هدى الله ( أي