صفحة رقم ٤٤١
تعلمون، فالآية من الاحتباك : ذكر الاستفهام أولاً دليلاً على حذف متعلقه ثانياً، وما يقال للظالم ثانياً دليلاً على ما يقال للعدل أولاً.
ولما ذكر ما أعد لهم من الآخرة، وكانوا في مدة كفرهم كالحيوانات العجم لا ينتظرون إلا الجزئيات الحاضرة، خوفهم بما يعملونه في الدنيا، فقال على طريق الاستئناف في جواب من يقول : فهل يعذبون في الدنيا :( كذب الذين ( وأشار إلى قرب زمان المعذبين من زمانهم بإدخال الجار فقال :( من قبلهم ) أي مثل سبأ وقوم تبع وأنظارهم :( فأتاهم العذاب ( وكان أمرهم علينا يسيراً، وأشار إلى أنه لم يغنهم حذرهم بقوله :( من حيث ) أي من جهة ) لا يشعرون ( أنه يأتي منها عذاب، جعل إيتانه من مأمنهم ليكون ذلك أوجع للمعذب، وأدل على القدرة بأنه سواء عنده تعالى الإيتان بالعذاب من جهة يتوقع منها ومن جهة لا يتوقع أن يأتي منها شر ما، فضلاً عما أخذوه به، بل لا يتوقع إلا الخير.
لما بين سفههم وشدة حمقهم باستعجالهم بالعذاب استهزاء، سبب عنه تبكيت من لم يتعظ بحالهم فقال :( فأذاقهم الله ) أي الذي لا راد لأمره ) الخزي ) أي الذل الناشئ عن الفضيحة والعذاب الكبير بما رادزه من إخزاء الرسل بتكذبيهم ) في الحياة الدنيا ) أي العاجلة الدنية.
ولما كان انتظار الفرج مما يسلس، قال معلماً أن عذابهم دائم على سبيل الترقي إلى ما هو أشد، وأكده إنكارهم إياه :( ولعذاب الآخرة ) أي الذي انتقلوا إليه بالموت ويصيرون إليه البعث :( أكبر ( من العذاب الذي أهلكهم في الدنيا، وأشدهم إخزاء، فالآية من الاحتباك : ذكر الخزي أولاً دليلاً على إرادته ثانياً، والأكبر ثانياً دليلاً على الكبير أولاً، وسره تغليظ الأمر عليهم بالجمع بين الخزي والعذاب بما فعلوا برسله عليهم الصلاة والسلام بخلاف ما يأتي في فصلت.
فإن سيافه للطعن في الوحدانية، وهي لكثرة أدلتها وبعدها عن الشكوك وعظيم المتصف بها وعدم تأثيره بشيء يكفي في نكال الكافر به مطلق العذاب.
ولما كان من علم أنه فعله يورث نكالاً كف عنه ولا يكفون ولا يتعظون قال :( لو كانوا يعلمون ) أي لو كان لهم علم ما لعلموا أنه أكبر فاتعظوا وآمنوا، ولكنه لا علم لهم أصلاً، بل هم كالأنعام بل هم أضل سبيلاً، لأن الجزئيات لا تنفعهم كما تنفع سائر الحيوانات، فإن الشاة ترى الذئب فتنفر منه إدراكاً لأن بينها وبينه عداوة بما خلق الله في طبعه من أكل أمثالها، وهؤلاء يرون ما حل بأمثالهم من العذاب لتكذيبهم الرسل فلا يفرون منه إلى التصديق.
ولما ذكر سبحانه حال الأولين موعظة للعرب، فكان كأنه قيل صرفاً للقول إلى


الصفحة التالية
Icon