صفحة رقم ٤٤٢
مظهر العظمة تذكيراً بما في الأناة من المنة لأن حالها يقتضي المعاجلة بالأخذ والمبادرة بإحلال السطوة، ضربنا لكم حالهم مثلا لحالكم لتعتبروا به، فإن الأمثال يفهم بها المعاني الغائبة، وتصير كأنها محسوسة مشاهدة، عطف عليه قوله مؤكداً لإنكارهم أن يكون في القرآن بيان شاف وادعائهم أنه إنما هو شعر وكهانة وسحر :( ولقد ضربنا ( على ما لنا من العظمة.
ولما كان في سيقا المفاضلة بين المتقي وغيره من أوائل السورة حين قال ( أمن هو قانت ) إلى أن ختم بقوله ( أفمن يتقي بوجهه ) وأسس ذلك كله على ابتداء الخلق من نفس واحدة، كانت العناية في هذا السياق بالمخاطبين أكثر، فقدم قوله :( للناس ) أي عامة لأن رسالة رسولكم عامة.
ولما كان المتعنت كثيراً، عين المحدث عنه بالإشارة التي هي أعرف المعارف، وجعلها ما يعبر به عن القرب، إشارة إلى أنه لما أتى به الرسول ( ﷺ ) خلع القلوب وملأها، فلا حاضر فيها سواه وإن كان المعاند يقول غير ذلك فقوله زور وبهتان وإثم وعدوان، فقال :( في هذا القرآن ) أي الجامع لكل علم.
ولما كانت كلماته سبحانه لا تنفذ وعجائبه لا تعد ولا تحد، وكان في سياق التعجيب من توقفهم قال ) من كل مثل ) أي يكفي ضربه في البيان لإقامة الحجة البالغة، ثم بين علة الضرب بقوله :( لعلهم يتذكرون ) أي ليكون حالهم بعد ضربه حال من يرجى تذكره بما ضرب له ما يعرفه في الكون في نفسه أو في الآفاق تذكراً واضحاً مكشوفاً - بما أرشد إليه الإظهار، فيتعظ لما في تلك الامثال المسوقة في أحسن المقال المنسوقة بما يلائمها من الأوضاع والأشكال من البيان وأوضح البرهان.
ولما كان ذلك غاية في الشرف، دل على زيادة شرفه بحال مؤكدة دالة على شدة عنادهم، تسمى موطئه لأن الحال في الحقيقة ما بعدها بقوله :( قرآناً ) أي حال كون ذلك المضروب جامعاً لكن ما يحتاج إليه، ويجوز أن يكون النصب على المدح ) عربياً ( جارياً على قوانين لسانهم في جمعه باتساعه ووضوحه واحتمال اللفظ الواحد منه لمعان كثيرة، فكيف إذا انضم إلى غيره فصار كلاماً.
ولما كان الشيء قد يكون مستقيماً بالفعل وهو معوج بالقوة، قال تعالى :( غير ذي عوج ) أي ليس بمنسوب إلى شيء من العوج ولا من شأنه العوج، فلا يصح أن يكون معوجاً أصلاً في شيء من نظمه ولا معناه باختلاف ولا غيره كما في آية الكهف سواء، وفي الإيتان بعوج الذي هو مختص بالمعاني بيان أن الوصف له حقيقة، فهو أبلغ من غير معوج، لأنه يحتمل إرادة أهله على المجاز.
ولما كان التذكر بالتذكير لكونه أبلغ للوعظ حاملاً، ولا بد للعاقل على الخوف