صفحة رقم ٤٤٥
وعن غيره هل راعى حق الله فيه، أو أنت وهم من باب تغليب المخاطب وإن كان واحداً لعظمته على الغائبين، وزاد إثبات المعنى بقوله :( يوم القيامة ( فساقه مساق ما خلاف فيه، وبين أن ذلك الحال مخالف لهذا الحال لانقطاع الأسباب بقوله، صارفاً القول إلى وصف التربية الذي يحق له الفضل على الطائع والعدل يبغي بعضكم على بعض كما هو مشاهد من غير حساب كما أن أقلكم عقلاً لا يرضى بذلك في عبيده الذين ملكه الله إياهم ملكاً ضعيفاً، أو ولاه عليهم ولاية مزلزلة، فكيف بمن فوقه فكيف بالحكماء ) تختصمون ) أي تبالغون في الخصومة ليأخذ بيد المظلوم وينتقم له من الظالم، ويجازي كلاًّ بما عمل، أما في الشر فسوءاً بسوء، لا يظلم مثقال ذرة ولا ما دونه، وأما في الخير فالحسنة بعشرة أمثالها - إلى ما فوق ذلك مما لا يعلمه غيره، فلا ينبغي أبداً لمظلوم أن يتوهم دوام نكده وعدم الأخذ بيده فيقتصر في العمل ويجنح إلى شيء من الخوف والوجل، بل عليه أن يفرح بما يجزل ثوابه، ويسر بما ييسر حسابه، ويشتغل بما يخلص به نفسه في يوم التلاق الذي الناس فيه فريقان، ولا يشتغل بما لا يكون من تصفية دار الكدر عن الأكدار، وقرارة الدنس عن الأقذاء والأقذار، فإن محال على حال من الأحوال، قال القشيري : نعاه ( ﷺ ) ونعى المسلمين إليهم ففرغوا بأنفسهم عن مأتمهم، ولا تعزية في العادة بعد ثلاث، ومن لم يتفرغ عن مأتم نفسه وأنواع غمومه وهمومه، فليس له من هذا الحديث شمة، وإذا فرغ قلب عن حديث نفسه وعن الكون بجملته، فحينئذ يجد الخير من ربه وليس هذا الحديث إلا بعد فنائهم عنهم، وأنشد بعضهم يعني في لسان الحال بما قدمنا :
كتبت إليكم بعد موتي بليلة ولم أدر أني بعد موتي أكتب
انتهى.
ومن المعلوم أنهم جعلوا لله أنداداً، وأعلم بأنهم كذبة في ذلك كافرون ساترون للحق، وأنه لا يهدي من هو كاذب كفار، وأخبر أنه لا بد من خصام الداعي لهم بين يديه سبحانه، لآنه لا يجوز في الحكمة تركهم هملاً كما هو مقرر في العقول وموجود في الفطر الأولى، ومعلوم بالمشاهدة من أحوالهم فينعم على المظلوم، وينتقم من الظالم، وكان الكاذب في أقل الأشياء ظالماً، وأظلم منه الكاذب على الأكابر، وأظلم الظالمين الكاذب على الله، قال تعالى مسبباً عما مضى :( فمن اظلم ) أي منهم -