صفحة رقم ٤٤٨
وشر الشرين فاجتنبه، كان المحسن من جعل أكبر ذنوبه نصب عينيه وعمل على هدمه، فلذلك علل الإحسان بقوله :( ليكفر ) أي يستر ستراً عظيماً كأنه قال : المحسنين الذين أحسنوا لهذا الغرض، ويجوز أن يكون التعليل للجزاء، وعبر بالاسم الأعظم لفتاً عن صفة الإحسان إشارة إلى عظيم الاجتهاد في العمل والإيذان بأنه لا يقدر على الغفران لمن يريد إلا مطلق التصرف فقال :( الله ) أي الذي نصب المحسن جلاله وجماله بين عينيه، فاستغرق في صفاته ابتغاء مرضاته، فعبده كأنه يراه، وحقق باعترافهم بالخطأ وقصدهم التكفير لما أهمهم فعلهم له بقوله :( عنهم أسوأ ( العمل ) الذي عملوا ( وتابوا عند بالندم والإقلاع والعزم على عدم العود وقد علم أنه إذا محي الأكبر انمحى الأصغر لأن الحسنات يذهبن السيئات، فلله در أهل البصائر والإخلاص في الإعلان والسرائر ولما أخبر بالتطهير من اوضار السيئ، أتبعه الإخبار بالتنوير بأنوار الحسن فقال :( ويجزيهم أجرهم ) أي الذي تفضل عليهم بالوعد به.
ولما كان تعالى يزيد العمل الصالح ويربيه، زاد الجار في الجزاء إعلاماً بأنه يجعل الأعمال الصالحة كلها مثل أعلاها فقال :( بأحسن ( ولما كان مقصود هذه السورة أخص من مقصود سورة النحل، وكانت ( الذي ) و ( من ) أقل إبهاماً من ( ما ) قال :( الذي ) أي العمل الذي، وهو كالأول من إضافة الشيء إلى ما هو بعضه كخاتم فضة، وأشار إلى مداومتهم على الخير بالتعبير بالكون والمضارع فقال :( كانوا يعملون ( مجددين له وقتاً بعد وقت لأنه في طبائعهم فهم عريقون في تعاطيه، فمن كان في هذه الدار محسناً في وقت ما يعبد الله كأنه يراه فهو في الآخرة كل حين يراه، قال القشيري، ثم يجب أن يكون على أحسن الأعمال أحسن الثواب، وأحسن الثواب الرؤية، فيجب أن يكون على الدوام.
وهذا استدلال قوي.
ولما فهم من قوله :( وكذب بالصدق إذ جاءه ) أن المشركين يكذبونه، وكان من طبع الآدمي الاهتمام بمثل ذلك ولا سيما إذا كان المكذب كثيراً وقوياً، وتقرر أنه سبحانه الحكم العدل بين المتخاصمين وغيرهم في الدنيا ولآخرة، ولزم كل سامع الإقرار بالآخرة، وبشر المحسنين وحذر المسيئين، وكان من المعلوم أنهم يحذرونه آلهتهم كما يحذرهم إلهه، حسن كل الحسن قوله مقراً للكفاية غاية الإقرار، ومنكراً لنفيها كل الإنكار :( أليس الله ) أي الجامع لصفات العظمة كلها المنعوت بنعوت الكمال من الجلال والجمال، وأكد المراد بزيادة الجار لما عندهم من الجزم بأنهم غالبون فقال :( بكاف ( وحقق المناط بالإضافة في قوله :( عبده ) أي الخالص له الذي لم يشرك به أصلاً كما تقدم في المثل ممن كذبه وقصد مساءته فينصره عليهم حتى يظهر


الصفحة التالية
Icon