صفحة رقم ٤٥
ولما ذكر سبحانه إحسانه إليه ( ﷺ ) صريحاً، أشار بتعليله إلى إحسانه به أيضاً إلى كافة العرب، فقال مفرداً النذارة لأن المقام له بمقتضى ختم لقمان :( لتنذر قوماً ) أي ذوي قوة جلد ومنعة وصلاحية للقيام بما أمرهم به ) ما اتهم من نذير ) أي رسول في هذه الإزمان القريبة لقول ابن عباس رضي الله عنهما أن المراد الفترة، ويؤيده إثبات الجار في قوله :( من قبلك ) أي بالفعل شاهدوه أو شاهده آباؤهم.
وإما بالمعنى والقوة فقد كان فيهم دين إبراهيم عليه السلام إلى أن غيّره عمرو بن لحي، وكلهم كان يعرف ذلك وأن إبراهيم عليه الصلاة والسلام لم يعبد صنماً ولا استقسم بالأزلام، وذلك كما قال تعالى :( ) وإن من أمة إلا خلا فيها نذير ( ) [ فاطر : ٢٤ ] أي شريعته ودينه، والنذير ليس مخصوصاً بمن باشر - نبه على ذلك أبو حيان.
ويمكن أن يقال : ما أتاهم من ينذرهم على خصوص ما غيروا من دين إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وأما إسماعيل ابنه عليه السلام فكان بشيراً لا نذيراً، لأنهم ما خالفوه، وأحسن من ذلك كله ما نقله البغوي عن ابن عباس رضي الله عنهما ومقاتل أن ذلك في الفترة التي كانت بين عيسى ومحمد ( ﷺ )، فإنه قد نقل عيسى عليه السلام لما أرسل رسله إلى الآفاق أرسل إلى العرب رسولاً.
ولما ذكر علة الإنزال، أتبعها علة الإنذار فقال :( لعلهم يهتدون ) أي ليكون حالهم في مجاري العادات حال من ترجى هدايته إلى كمال الشريعة، وأما التوحيد فلا عذر لأحد فيه بما أقامه الله من حجة العقل مع ما أبقته الرسل عليهم الصلاة والسلام آدم فمن بعده من واضح النقل بآثار دعواتهم وبقايا دلالاتهم، ولذلك قال النبي ( ﷺ ) لمن سأله عن أبيه :( أبي وأبوك في النار ) وقال :( ا تفتخروا بآبائكم الذين مضوا في الجاهلية فوالذي نفسي بيده لما تدحرج الجعل خير منهم ) في غير هذا من الأخبار القاضية بأن كل من مات قبل دعوته على الشرك فهو للنار.
السجدة :( ٤ - ٥ ) الله الذي خلق.....
) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ شَفِيعٍ أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَآءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ ( ( )
ولما تقرر بما سبق في التي قبلها من اتصافه تعالى بكمال العلم أنه من عنده وبعلمه لا محالة، وكان هذا أمراً يهتم بشأنه ويعتني بأمره، لأنه عين المقصود الذي ينبني عليه أمر الدين، وختم ما ذكره من أمره ههنا بإقامة اهتدائهم مقام الترجي بإنذاره ( ﷺ )، أتبعه بيان ذلك بإيجاد عالم الأشباح والخلق ثم عالم الأرواح والأمر، وإحاطة العلم بذلك كله على وجه يقود تأمله إلى الهدى، فقال مستأنفاً شارحاً لأمر


الصفحة التالية
Icon