صفحة رقم ٤٥١
فقال :( هل هن ) أي هذه الأوثان التي تعبدونها ) كاشفات ) أي عني مع اعترافكم بأنه لا خلق لها وأنها مخلوقة لله تعالى ) ضره ) أي الذي أصابني به نوعاً من الكشف، لأرجوها في وقت شدتي ) أو أرادني برحمة ( لطاعتي إياه في توحيده، وخلع ما سواه من عبيده ) هل هن ممسكات ) أي عني ) رحمته ) أي لأجل عصياني لهن نوع إمساك، لأطيعكم في الخوف منهن - هذه قراءة أبي عمرو بالتنوين وإعمال اسم الفاعل بنصب ما بعده، وهو الأصل في اسم الفاعل، والباقون بالإضافة، ولا فائدة غير التخفيف، وقد يتخيل منها أن الأوثان مختصة بهذا المعنى معروفة.
ولما كان من المعلوم أنهم يسكتون عند هذا السؤال لما يعلمون من لزوم التناقض أن أجابوا بالباطل، ومن بطلان دينهم أن أجابوا بالحق، وكان الجواب قطعاً عن هذا : لا سوء نطقوا أو اسكتوا، تحرر أنه لا متصرف بوجه إلا الله، فكانت النتيجة قوله :( قل ( إذا ألقمتهم الحجر :( حسبي ) أي كافي ) الله ( الذي أفردته بالعبادة لأنه له الأمر كله مما يخوفونني به ومن غيره ) عليه ( وحده لأن له الكمال كله ) يتوكل المتوكلين ) أي الذين يريدون أن يعلو أمرهم كل أمر، وأمره بالقول إعلاماً بأن حالهم عند هذا السؤال التناقض الظاهر جداً.
ولما كانوا مع هذه الحجج القاطعة، والأدلة القامعة والبراهين الساطعة، التي لا دافع له بوجه، كالبهائم لا يبصرون إلا الجزئيات حال وقوعها، قال مهدداً مع القيام بما يحاولونه ) قل يا قوم ) أي افعلوا افعالاً مبينة على العلم ) على مكانتكم ) أي حالتكم التي ترتبتم فيها وجمدتم عليها لأنه جبلة لكم من الكون والمكنة لتبصروا حقائق الأمور، فتنتقلوا عن أحوالكم السافلة إلى المنازل العالية، فكأنه يشير إلى أنهم كالحيوانات العجم، لا اختيار لهم ويعرّض بالعمل الذي مبناه العلم والمكانة التي محطها الجمود بأن أفعالهم ليس فيها ما ينبني على العلم، وإنما هي جزاف لا اعتبار لها ولا وزن لها.
ثم أجاب من عساه أن يقول له منهم : فماذا تعمل أنت ؟ بقوله :( إني عامل ( على كفاية الله لي، ليس لي نظر إلى سواه، ولا أخشى غيره، وليس لي مكانة ألتزم الجمود عليها، بل أنا واقف على ما يرد من عند الله، إن نقلني انتقلت وإن أمرني بغير ذلك امتثلت وأنا مرتقب كل وقت للزيادة، ثم سبب عن قول من لعله يقول منهم : وماذا عساه يكون قوله ؟ إيذاناً بأنه على ثقة من أمره، لأن المخبر له به الله :( فسوف تعملون ) أي بوعد لا خلف فيه ) من يأتيه ) أي منا ومنكم ) عذاب يخزيه ( بأن يزيل عنه كل شيء يمكنه أن يستعذبه ) ويحل عليه ) أي بجب في قوته، من حل